أثار اللقاء الذي جمع نائبة وزير الخارجية الأميركي عزرا زِيّا، التي تؤدي زيارة إلى تونس، بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي استغراب أوساط سياسية تونسية رأت في هذا اللقاء خروجا عن الأعراف البروتوكولية واعتبرت أنه يجعل الولايات المتحدة كما لو أنها تدعم الإضرابات التي يتولاها الاتحاد، والتي طالت قطاعات حيوية، وضاعفت الأعباء التي يعيشها التونسيون في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة.
وقالت الأوساط السياسية التونسية إن الاجتماع سيفتح بابا خطيرا لرهان المنظمات الاجتماعية والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني على الخارج لفرض أجندة تتناقض مع توجهات الدولة، وتمهد لصدام مع الرئيس قيس سعيد الذي يمتلك حساسية خاصة ضد الأجندات الخارجية لأي جهة أو شخصية أيا كان وضعها.
وبعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو الماضي التي قادت إلى تجميد البرلمان ووقف عمل النواب استنجدت الأحزاب الحاكمة، وخاصة حركة النهضة الإسلامية، بالضغوط الخارجية من أجل دفع الرئيس سعيد إلى التراجع، لكنه تمسك بمعالم المرحلة الانتقالية التي أقرها انطلاقا من تأويل الفصل 80 من الدستور، ورفض محاولات التدخل الخارجي الهادفة إلى إعادة البرلمان، ولاحقا رفض التراجع عن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء.
وقال قيس سعيّد الشهر الماضي في لقائه بوزير الخارجية عثمان الجرندي “بعض العواصم والمنظمات أبدت أو ساورها القلق على حل المجلس الأعلى للقضاء، وأتساءل لماذا لم يساورها نفس القلق عندما تم العبث بالملايين والمليارات التي ذهبت سدى”.
وأضاف “نحن يساورنا القلق من قلقهم، لأننا دولة ذات سيادة نعرف التوازنات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية أكثر مما يعرفونها، وصادقنا عليها وملتزمون بفكرة الحرية والديمقراطية والعدالة”.
وحذرت الأوساط السابقة من أن الولايات المتحدة تعيد خطأها في مصر من خلال دعم جمعيات ومنظمات بأجندات متعددة ما قاد إلى التوتر في العلاقة بين واشنطن والقاهرة، سواء في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي أو الرئيس الراحل حسني مبارك، وهو الأمر الذي يرسي برودا متزايدا في علاقات الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، والأمر نفسه قد يتكرر في تونس بسبب موقف متشدد من قيس سعيد تجاه أنشطة هذه الجمعيات.
وطالب الرئيس سعيد في فبراير الماضي بقانون يمنع تمويل الجمعيات غير الحكومية من الخارج، معتبرا أن تلك الجمعيات “امتداد لقوى خارجية”.
وأضاف “هي في الظاهر جمعيات ولكنها امتداد للخارج”، مشددًا على أنه “لن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية أو القيام بحملات انتخابية”.
وتابع “لا مجال أيضا لأن يتدخل في شؤوننا أحد، لا بأمواله ولا بضغوطاته، نحن شعب له سيادته وكرامته”.
ويرى مراقبون محليون أن لقاء المسؤولة الأميركية بالطبوبي تزامن مع سلسلة من الإضرابات في القطاع الحكومي، ما يوحي وكأن واشنطن تدعم التصعيد في ظرف اقتصادي صعب على تونس، وفي الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون الأميركيون باستمرار استعدادهم لمساعدتها على الخروج من الأزمة.
وتعطلت الخدمات لليوم الثاني على التوالي في عدة قطاعات في تونس بسبب إضرابات تقف وراءها مطالب بتحسين ظروف العمل والمنح وبتشريعات جديدة تنظم الوظائف في هذه القطاعات.
وتسبب تعطل خدمات البلديات في تراكم القمامة في عدة شوارع بالمدن التونسية نتيجة إضراب لمدة ثلاثة أيام حتى اليوم الجمعة، وهو الإضراب الثاني خلال شهر.
وأحدث الإضراب المفتوح الذي بدأه الاثنين موزعو قوارير الغاز المنزلي أزمة حادة في البلاد، خاصة في المناطق الداخلية التي لا تعتمد على شبكات الغاز المنزلي، وهو ما كشفت عنه شكاوى الناس على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول المراقبون إن لقاء عزرا – الطبوبي يرسل إشارة سلبية ليس إلى الرئيس سعيد وحكومته فقط، وإنما أيضا إلى الدوائر المالية الدولية التي تضغط على تونس لتنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة، وهو ما يعارضه الاتحاد، ويريد إصلاحات تحافظ على مكاسبه خاصة برفضه إصلاح المؤسسات الحكومية التي يسيطر عليها الفساد والبيروقراطية.
وأشادت عزرا زيّا خلال اللقاء مع الطبوبي -والذي حضره كذلك سفير الولايات المتحدة لدى تونس دونالد بلومب- بـ”دور اتحاد الشغل التاريخي في كل الأزمات التي مرت بها تونس”، وذلك وفق بيان صدر عن المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية في تونس.
من جهته أكد الطبوبي أن “الوضع الذي تمر به تونس يتطلب الدعم من أصدقائها للخروج من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الصعب” وفق البيان ذاته.
ولفت إلى “انفتاح الاتحاد على الإصلاحات شريطة عدم المس بقوت التونسيين وضرورة أن يتقاسم الجميع التضحيات حتى لا تكون لها تبعات على استقرار البلاد”، مؤكدا “ضرورة إيجاد حزمة موحدة من الحلول الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت الأربعاء أنّ عزرا زيّا ستجتمع بكبار المسؤولين الحكوميين لمناقشة الإصلاحات السياسية والاقتصادية الشاملة، وحماية حقوق الإنسان، والدور المتكامل الذي يلعبه المجتمع المدني في ديمقراطية قوية.
وأضاف بلاغ وزارة الخارجية الأميركية أنّ زيّا ستناقش خلال لقاءاتها القضايا الثنائية والإقليمية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس نتيجة ما وصفه بـ”العدوان الروسي على أوكرانيا”.
كما ستلتقي مع مدافعين عن حقوق الإنسان وقادة عماليين منظمين وممثلين آخرين عن المجتمع المدني التونسي للاستماع إلى وجهات نظرهم حول التحديات التي تواجه تونس والفرص المتاحة أمامها.
صحيفة العرب