في نظر العديد من المواطنين في معظم دول العالم تبقى ليبيا المليئة بالحرب والدمار والقتل والتهجير والسلاح، لا صوت فيها يعلو على صوت الرصاص، ولا مشهد إيجابي يملأ شوارعها ولا زينة ولا احتفال بهيج في أزقتها، ولكن الحقيقة تختلف والصورة لها أكثر من زاوية .
ليبيا بلد المليون حافظ للقرآن تبدو في شهر رمضان المبارك ورغم الألم مختلفة ومبتهجة وسعيدة، فعاليات عديدة يمارسها مواطنوها، عطايا بين الجيران وزينة في المنازل، وباعة يتجولون، وملاعب كرة القدم تمتلئ.
فماذا تعرفون عن ليبيا في رمضان؟
يبدأ الليبيون في التحضير لشهر رمضان المبارك منذ منتصف شهر شعبان، حيث تزدحم الأسواق العامة لشراء الحاجيات الأساسية ومن المتعارف عليه أن معظم رباب البيوت يقمن بتغيير العديد من الأدوات في مطبخهن في رمضان وأبرزها الأفرشة والأغطية والأواني الخاصة بالتقديم للتفاؤل بها مع قدوم الشهر كنوع من الروحانية .
وفضلا عن الإزدحام في الأسوق والمحال لشراء البضائع والحلويات، تشتعل البيوت في ليبيا بالحيوية والنشاط والحركة، حيث يعمل القاطنون في المنزل على ترتيبه وتزيينه بزينة رمضانية، والتحضير لما سيسهل عليهم الطبخ، كصلصة البيتزا التي يحبذها العديد من المواطنين على المائدة يوميا، والخبر المرحي، والجبن المبشور، والحمص، وتقطيع اللحم والدجاج وتجهيز كافة التوابل وتجميد كل ما يمكن وضعه في البراد لتسهيل عملية الطبخ .
ورغم ارتفاع الأسعار الا أن اقبال المواطنين على الأسواق لتنويع موائدهم خلال رمضان كبير جدا، كما أن حجم المشتريات يختلف كثيرا عن الأشهر الأخرى، فيعتبر الليبيون مسرفين جدا في رمضان رغم قلة السيولة النقدية .
مائدة رمضان
تتسم المائدة الرمضانية في ليبيا بالتنوع في الأصناف، حيث تفضل معظم ربات البيوت، طهي العديد والكثير من الأصناف من المأكولات الحارة والحلويات يوميا على المائدة ولكن أصنافا معينة يضعها المواطنون كالقاعدة الأساسية التي لا يفطرون بدونها أولا الشوربة العربية الحساء .
يتكون هذا الحساء من مرقة لحم ومعجون طماطم وشوربة لسان عصفور وحمص وتوابل، وتزين بالنعناع المجفف لتكون جاهزة للأكل، كما أن وجود المعجنات يعتبر أساسيا جدا في رمضان، فلا مائدة تخلو من أنواعها المتعددة سواء أطهيت في الفرن أم تم قليها في الزيت فضلا عن أكلة المبطن والتي تتكون من لحم مفروم داخل بطاطس ويقلى في الزيت .
فبعد الآذان مباشرة يبدأ الصائمون في تناول التمر واللبن والماء، ومن ثم تجتمع العائلة لأداء صلاة المغرب بشكل جماعي وبعدها يتوجهون للفطور الرئيسي وبعد الانتهاء منه يجتمعون أمام التلفزيون ويحتسون الشاي والقهوة .
ومن العادات المتعارف عليها في رمضان في ليبيا أن يقوم الأهل بإرسال تشكيلات من الأكلات المجهزة للإفطار مع الأطفال ليتذوقها الجار وتسمى (الذّوقه) ويكون وقت ارسالها قبيل آذان المغرب ببضع دقائق.
أما على صعيد الحلويات فيشتهر الليبيون في رمضان بأكل البسبوسة، والكعك الحلو والمالح، والغريبة، وتصنع من الدقيق الأبيض والسمن واللوز، والمقروض الذي يكون عبارة عن سميد معسل يحشى بالتمر .
الروحانيات والعادات الدينية
يتمسك الليبيون بالصلاة في المسجد خلال شهر رمضان حيث يعتبرونها من أبرز الشعائر الدينية التي يجب أن لا يتفادوها، وخاصة في ما يتعلق بصلاة التراويح والتهجد .
حيث يتوجه الأطفال والنساء والرجال بمختلف أعمارهم إلى المساجد، بعد الإفطار ويجتمعون مع الجيران المحيطين بهم في المسجد ليؤدوا معا صلاة التراويح، أما عن اصطحاب الأطفال فيعتبرونه في إطار التعليم والتشجيع للصلاة في المسجد .
أما عن قراءة القرأن فيعتبر ختم القرآن الكريم كاملا أمرا مهما وضروريا لدى العديد من المواطنين في ليبيا خلال الشهر الكريم، فيعملون على تقسيم أجزاءه على أيام الشهر حتى يستطيعون اتمامه لمرة أو ربما لأكثر من مرة .
وعن مساعدة المحتاجين والعطف عليهم فتنتشر وبشكل كبير قبل رمضان بأيام عادة السلة الرمضانية التي تتبناها الجمعيات والشركات والجهات المختلفة، من خلال القيام بتوزيع المواد الغذائية الأساسية في سلة للمحتاجين في مختلف المدن .
كما تنظم العديد من الجهات بمشاركة الأهالي موائد الرحمن، لإفطار المساكين والفقراء، فضلا عن توزيع الإفطار على المارة قبل المغرب .
وخلال ليالي الشهر المتتالية، تحافظ بعض المناطق، لا سيما في الجنوب الليبي أو في المدينة القديمة في طرابلس وغيرها، على حلقات المديح الصوفية بعد صلاة التراويح، أو خلال الليالي الفاضلة احتفالاً بذكرى غزوة بدر وأحد وفتح مكة وصولاً إلى ليلة القدر.
فعاليات ونشاطات رمضان
لدى المواطنين في ليبيا العديد من الهوايات التي يحبذون أن يقضوا بها يومهم خلال شهر رمضان المبارك وتنتشر بكثرة، أولها هواية الصيد على كورنيش طرابلس، حيث يتوجه المسنون إلى الممشى البحري الموجود وسط العاصمة رفقة عدتهم الخاصة بالصيد، ليمارسوا هذه الهواية قبل الإفطار بساعات قليلة .
كما تنتشر وبكثرة الاستعراضات الخاصة بالفروسية في ضواحي العاصمة طرابلس وفي وسطها، فضلا عن دوريات كرة القدم الرمضانية التي تلقى رواجا كبيرا ويشارك بها لاعبو أندية محترفون قبل الإفطار وبعده، حيث تعتبر كرة القدم من أكثر الرياضات قربا إلى جميع فئات المواطنين في ليبيا .
كما تعقد المؤسسات الثقافية باستمرار وبكثرة مجموعة من الندوات واللقاءات الثقافية التي وجدت من رمضان مساحة لها، وقد باشر الشباب في استخدام الإنترنت للمشاركة في هذه الفعاليات رغم العزوف عنها سابقا إلا أن الاقبال على المشاركة فيها بدأ يتزايد .
وعلى صعيد الرياضة أيضا فتنتشر وبشكل كبير رياضة المشي عشية رمضان في مضمار الفروسية ومختلف الميادين بطرابلس، حيث يقضون من خلالها الساعات الأخيرة التي تسبق الغفطار ويرفهون بها عن أنفسهم، وتجمع الجيران والأصدقاء .
الأثواب التقليدية للرجال «الزبون»
قبل العيد بفترة وجيزة، تزدحم محلات بيع الزي التقليدي الليبي الخاص بالرجال والذي يتكون من مجموعة من القطع أبرزها الزبون والفرملة ويطرز يدويا بألوان مختلفة، حيث يرتديه الرجال في العيد وخلال أيام شهر رمضان المبارك .
ورغم مرور السنوات إلا أن التمسك بهذا الزي التقليدي بارز جدا في ليبيا، خاصة خلال المناسبات الاجتماعية وفي رمضان بشكل خاص لذا يزدحم المواطنون على محال بيع هذا الزي خلال أيام الشهر الفضيل استعدادا لعيد الفطر والذي عادة ما يرتدون من خلاله زيا جديدا .
التحضير لعيد الفطر
مع اقتراب عيد الفطر المبارك وخلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان يتزاحم الأهالي على محلات بيع الملابس لاقتناء ملابس العيد لأطفالهم، حيث تعتبر هذه العادة مقدسة لديهم مهما سعبت ظروفهم المادية .وقبل العيد بأيام تبدأ رباب البيوت في تحضير مجموعة من الحلويات تمهيدا لاستقبال الضيوف خلال عيد الفطر المبارك، وخاصة الحلويات التقليدية الليبية وهي الغريبة والمقروض والكعك، اللويزة وغيرها .
كما أصبح اقتناء زينة عيد الفطر المبارك تقليدا يمارسه مواطنو ليبيا، وهي عادة جديدة نسبيا عليهم، حيث يقومون بتزيين مساكنهم احتفالا بقدوم العيد وأيضا احتفالا بقدوم رمضان .
وينتشر وبكثرة قبل العيد الباعة المتجولون الذين يقومون ببيع الألعاب والاكسسوارات والملابس وكل الحاجيات التي يقتنيها المواطن الليبي استعدادا لعيد الفطر المبارك .
ورغم الألم والحروب التي مرت بها البلاد تبقى شعائر رمضان وعاداته مقدسة مهما صعبت الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية، بل يأتي رمضان ليلون الشوارع والأزقة والميادين بألوان مختلفة تعكس روحانياته.
القدس العربي