استعمار استمر لسنوات في دولة عربية ذات تاريخ عريق، أدى إلى دمار المجتمع بنشر البطالة والأمية والخوف.
لقد دفع الجزائريون أثماناً باهظة في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ولا يزال هناك من يطالب بحقوق الشعب الذي استعمر واستغل بأبشع أنواع الظلم واللاإنسانية، فبعد خروج المستعمر من هذه الأرض، ترك خلفه آلام الناس وأوبئة منتشرة، وترك خلفه أيضاً مجتمعاً يتخبط ولا يعرف كيف سينفض غبار المعراك الشرسة؟، وكيف سينسى ما شاهده من ظلم واغتصاب للحريات وقتل وسفك للدماء الزكية.
قضايا عدة تطالب فيها الجزائر اليوم، فبعد نبش الوثائق المخفية في أرشيف الأقبية المظلمة، فكل يوم لا نسمع غير الوعود ولا نرى غير الاجتماعات الخالية من أية خطوة تريح قلب الجزائريين، الشعب الذي عرف معنى المقاومة ولا يزال يدافع عن القدس ولا يقبل التطبيع مع المستعمر الصهيوني، بكل فخر لا تزال الجزائر من الدول التي تعتز بقوميتها وبموقفها الثابت والرافض لأي ظلم في أية بقعة عربية.
لقد عاد ملف التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية ليطغى على ملف الذاكرة بين البلدين، بعد دعوة مدير “مرصد التسلح” بفرنسا لضرورة كشف مكان دفن النفايات النووية، التي خلفتها هذه التجارب خلال ستينات القرن الماضي في الصحراء الجزائرية، وليست هذه الدعوة الأولى من نوعها، فقد سبقتها مطالب 570 منظمة دولية لإنهاء مخلفات هذه القضية “المستمرة” إلى اليوم، والتي سببت كوارث بيئية وتبعات صحية خطيرة على الإنسان، وحسب باحثين في الفيزياء النووية فإنه توجد صلة بين حالات الإجهاض والتشوهات والسرطانات وغيرها من الأمراض النادرة، التي لوحظت في المنطقة والتجارب النووية التي قامت بها السلطات الإستعمارية الفرنسية في صحراء الجزائر.
و في حديث لإذاعة فرنسا الدولية, قال السيد بوفري أنه “حينما أوقفت فرنسا تجاربها النووية بالجزائر سنة 1966, تركت في عين المكان كل النفايات المرتبطة بالتجارب التي أقيمت بالصحراء الجزائرية”، و استطرد يقول أن ” فرنسا لم تكتف بترك نفاياتها فحسب, بل أضفت طابع ذي أسرار عسكرية على كل الوثائق التي قد تكون لها صلة بهذه البرامج”، و عليه, يتابع مدير و عضو مؤسس الهيئة “فان كمية النفايات تظل مجهولة, خاصة تلك الناتجة عن الحوادث النووية و المعتبرة”.
كما تعالت أصوات جزائرية في الفترة الأخيرة تطالب فرنسا بضرورة أن تزود الجزائر بخرائط مناطق دفن النفايات النووية، وكانت المطالب الجزائرية على صعيد شعبي وسياسي حتى الآن لم تصدر مطالبات رسمية من السلطات بالأمر، أو ربما لم يعلن عنها بشكل رسمي، ويقول بلهادي عيسى، رئيس حزب الحكم الراشد بالجزائر، إن فرنسا مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بضرورة تسليم خرائط النفايات النووية بالجزائر.
وقامت القناة الفرنسية الثالثة (F3) ببث تقرير حول ما خلفته التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر 1957- 1960، من نفايات لا تزال إلى اليوم مدفونة في رمال الصحراء، وأظهر التقرير حملات التجارب النووية التي قامت بها فرنسا في صحراء الجزائر إبان الاستعمار، وقد صرح أحد الفرنسيين الذين شهدوا هذه التجارب، المهندس جان كلود هيرفيو، أنه يحتفظ بعشرات الصور في الفترة مابين 1957 و1960، وأفاد بأن الجيش الفرنسي قام بإجراء تلك التجارب النووية لدراسة تأثير القنبلة. وأضاف: “لقد رأينا، بالقرب من الموقع مجموعة متشابكة من النفايات”.
وفي وقت سابق، صرح رئيس الجمهورية الجزائري، عبد المجيد تبون، بأن اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة خلال الفترة الاستعمارية واعتذارها من الجزائر هو أهم عند الجزائريين من التعويضات المادية، وأوضح تبون في حواره لجريدة لوبينيون الفرنسية، في يوليو/ تموز الماضي، أن التعويض المادي الذي لا يمكن أبدا التنازل عنه هو تعويض ضحايا التجارب والتفجيرات النووية في الجنوب الجزائري والذي لاتزال تبعاته وتأثيراته على الحياة وعلى البشر إلى غاية الساعة.
وإلى الآن لا تزال هذه القضية تثير مخاوف الجزائريين، وهم يسعون للخلاص من مخلفات الاستعمار الفرنسي ومن قذارة نتائج تلك العملية، فمتى ستعي الشعوب العربية أن الاستعمار في الوطن العربي جاء لاستعباد الناس واستملاك حريتهم، وإلى الآن لا يزال الاستعمار يدخل المجتمعات العربية بطرق مختلفة وربما تكون سمومه أشد فتكاً من النفايات النووية.