كل سنة في نفس الفترة، يعيش معظم المغاربة ضغطا كبيرا مرتبطا بعيد الأضحى.
لعل المغرب هو الدولة الوحيدة، ضمن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تعيش هذا الضغط الرهيب المرتبط بعيد الأضحى. من سنة دينية يستطيع كثير من المسلمين في دول أخرى عدم تطبيقها بقدر من الليونة، تحول عيد الأضحى إلى فرض مجتمعي إلزامي لدى معظم المغاربة.
في بلدي، تعاني معظم الأسر ماديا لشراء خروف العيد، حتى والأغلبية تعرف وتعترف أن العيد سُنة! لكن، ماذا نفعل أمام الجيران والأهل؟ كيف نواجههم بعدم قدرتنا على شراء خروف؟ وحبذا لو كان الخروف كبيرا وغاليا، حتى أننا صرنا، منذ بضع سنوات، نسمع عن أضاحي عيد يبلغ سعرها ألف دولار (في بلد يصل فيه الحد الأدنى للأجور لحوالي 220 دولار كما أن متوسط الأجور يتراوح بين 300 و500 دولار شهريا).
البعض قد يبيع شيئا من ممتلكاته الصغيرة لشراء أضحية العيد.
بعض الشركات في القطاع الخاص تقترح على العاملين فيها قروضا بدون فوائد لشراء خروف العيد.
البنوك وشركات القروض تقدم بدورها عروضا بفوائد (!!!) لشراء أضحية العيد.
الحكومة بدورها تعلن، قبيل عيد الأضحى، وكل سنة تقريبا، عن صرف أجور الموظفين قبل موعدها لمساعدة الأسر على شراء الخروف. لا بأس إذن، ماداموا قد اشتروا خروف العيد ولوازمه، أن يستدينوا طوال الشهر المقبل! علما أن العيد هذه السنة يحل في المغرب بتاريخ 21 من شهر يوليو، بمعنى أن عشرة أيام كاملة تفصلنا عن نهاية الشهر وأنه من المحتمل جدا أن لا يتبقى لأصحاب الدخل المحدود، أمام حجم مصاريف عيد الأضحى، ما يكفي لقضاء الشهر المقبل. وكل هذا باسم “تطبيق الدين” و”احترام الشعائر الدينية”.
الأمثلة أعلاه نماذج للضغط المادي الرهيب الذي تعيشه معظم الأسر المغربية، وخصوصا ذوات الدخل المتوسط والمحدود، بمناسبة عيد الأضحى.
الأسر الغنية تواجه نفس الضغط المجتمعي بالتأكيد، إلا أنها، على الأقل، تملك القدرة المادية لمواجهته!
حتى أولئك الذين يشتكون من ضغط العيد المادي عليهم، لا يستطيعون الإفلات منه أو عدم شراء الأضحية، لأن الزملاء يتدخلون والأصدقاء والعائلة والأصهار… إضافة إلى ضغط الأطفال وتنمرهم على من لم تشترِ أسرته خروف العيد.
منذ بضعة سنوات، بدأت ظاهرة جديدة تنتشر لدى بعض الشباب، خصوصا المتعلمين منهم. هؤلاء يختارون الاستفادة من العروض التي تقدمها الفنادق في فترة العيد، بعيدا عن الضغط المجتمعي والأسري المرتبط بالأضحية. لكن الظاهرة مازالت محتشمة، كما أنها ليست في متناول العديد من أصحاب الدخل المحدود، حتى لو رغبوا في الهروب بدورهم!
نحن، للأسف، أمام ظاهرة مجتمعية قاهرة لا يستطيع الإفلات منها إلا القادرون على مواجهة التنمر والضغط المجتمعي… كما أنها، للأسف، تشكل ضغطا على محدودي الدخل بالأساس!
وكل هذا باسم الدين! فأين الدين وأين “السنة” من كل هذا؟ أليس من واجبنا مساءلة هذه الممارسة التي تتلبس بلبوس الدين، في حين أنها تحولت لعادة محتمعية قاهرة؟
ومع ذلك، فكل محاولة لمناقشتها تواجَه بكم من العنف اللفظي والإقصاء والتكفير (أجل، حتى مناقشة سنة عيد الأضحى، يجعلك في نظر البعض كافرا عدوا للإسلام محاربا للمسلمين)! حتى من قد يعترف لك صراحة بالقهر النفسي والمادي الذي يعيشه في هذه الفترة، قد ينتقدك إن أخبرته أنك لا تريد شراء كبش الأضحية أو حاولت أن تناقش معه الأمر من زواية مختلفة عن السائد.
لكن، ألم يحن الوقت لنمتلك شجاعة مناقشة كل هذه العادات والتقاليد التي انطلقت من الدين أو ارتبطت به في ذهنية الأغلبية؛ لكنها أصبحت تشكل ضغطا مجتمعيا وماديا رهيبا على الأفراد أو سببا في نشوء صراعات عائلية وتوتر وضغط مجتمعي؟
ألم يحن الوقت لكي نناقشها بنضج وهدوء، دون عنف وتكفير وسب؟ ألم يحن الوقت لكي نؤسس لمجتمعات تحترم الجانب الجميل لتدين الأفراد، في بعده الروحي الإنساني؛ وتحترم الممارسات الفردية، لكنها لا تجعل من الدين ومن أركانه وسننه إكراها ماديا ومجتمعيا؟.
بقلم: سناء العاجي
الحرة