أعادت الفيضانات الأخيرة والمفاجئة التي شهدتها مدن وبلدات في الجزائر، كبني سليمان في ولاية المدية قرب العاصمة، والمسيلة وبوسعادة وسط البلاد، والتي أسفرت عن مقتل 8 أشخاص عدا عن خسائر مادية كبيرة، مخاوف من تكرر الفيضانات في ظل ما يعرف في الجزائر بـ”الوديان النائمة”. هذه الفيضانات المفاجئة تترافق مع بناء عشوائي على ضفاف الأنهار، من دون الاكتراث من قبل السلطات لاحتمال حدوث فيضانات.
ويتداول مواطنون مثلاً شعبياً مفاده: “يمكنك العبور على واد يجري، لكن احذر كثيراً عند عبور واد صامت (نائم)”، إذ إن مياهه قد تتحرك بشكل مفاجئ. وينسحب هذا المثل على كارثة الفيضانات التي اجتاحت ولايتي المدية والمسيلة أخيراً، وكشفت عن وجود مشاكل جدية في البلاد تتعلق بالتنظيم العمراني وفوضى المشاريع السكنية والمباني في مناطق غير محمية من الفيضانات، بسبب قربها من الأودية. كارثة أعادت الحديث عن الوديان النائمة في البلاد إلى الواجهة، ودفعت مهندسين إلى دق ناقوس الخطر، محذرين من مخاطر هذه الوديان. وقبل فترة، نشر نادي المخاطر الكبرى في الجزائر تقريراً أشار فيه إلى أن 700 بلدية (من مجموع 1541 بلدية في الجزائر) مهددة بكوارث طبيعية، وخصوصاً فيضانات الوديان، مقترحاً مجموعة من الحلول لحماية المدن وتنظيم العمران ومنع البناء قرب الأودية.
وكثيراً ما تحثّ السلطات الجزائرية المواطنين على عدم البناء قرب الأودية نظراً للأخطار المحدقة في حال حدوث فيضانات أو سيول جارفة. ويلزم القانون الجزائري 29-90 كل من يريد بناء منزل أو الاستفادة من رخصة بناء بأن يزود المصالح المحلية بمخطط البناء، ويفترض أن تكون الأرض مناسبة وبعيدة عن الوديان. إلا أن القانون لا يطبق بسبب الفوضى وعدم احترام المخططات العمرانية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث كوارث. يشار إلى أن غالبية الوديان المنتشرة في الولايات تحيط بها مشاريع ومبان سكنية ومنشآت إدارية ومحطات للنقل العام وغيرها، من دون وجود أي إجراءات وقائية أو مراعاة لاحتمال عودة جريان المياه.
في هذا السياق، يقول المهندس المعماري والعضو في جمعية تسيير وتهيئة المدن القديمة في قسنطينة عبد العالي سطمبولي، لـ”العربي الجديد”، إن “مواجهة هذه المخاطر تتطلب إعادة إعداد خريطة عمرانية وبيئية لمختلف المدن الجزائرية من دون استثناء”. ويتساءل عن غياب الأجهزة المحلية في البلاد بوضع خريطة عمرانية وبيئية تعمل على تحديد الوديان النشطة وتلك النائمة أولاً، ثمّ تحييد الوديان النائمة والتحسب لها، ومنع البناء قربها من دون توفير حماية كافية”. ويشير إلى أنه “في ظل غياب هذه الأجهزة التي تتابع التوسع العمراني وتخطط لحماية المدن من الفيضانات، فإن مثل هذه الكوارث ستتكرر، وهو ما نردده منذ سنوات، وتحديداً منذ كارثة فيضانات باب الواد في العاصمة الجزائرية قبل 18 سنة”، وتحديداً في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2001، التي خلفت أكثر من ألفي قتيل وعشرات العائلات المنكوبة.