سلطت وفاة الطالبة “نصيرة بكوش” احتراقا داخل غرفتها الجامعية، الضوء على واقع الإقامات الجامعية، حيث انتشرت صور فضائح وكوارث مرافق وغرف ووجبات الطلبة على مواقع التواصل، من طرف مقيمين فضلوا نشر “الغسيل الوسخ” للإقامات الجامعية ردا على تصريحات بعض المسؤولين الذين حاولوا تغطية “الشمس بالغربال” بالحديث عن الوجبات الجامعية وكأنها تحضر في مطاعم خمسة نجوم في وقت يموت فيه الطلبة احتراقا بقارورات الغاز التي فضحت كارثية المطاعم الجامعية..
يبلغ سن الإقامات الجامعية في الجزائر حاليا قرابة نصف قرن من الزمن منذ أن كان الرئيس الراحل هواري بومدين هو من يشرف على الحياة الجامعية للطلبة، ولكن في زمن لم يكن فيه عدد الطلبة يزيد عن عشرات الآلاف، ولا عدد الجامعات عن الخمسة فقط، فسار الراحل على نهج المجتمعات الاشتراكية في أوروبا وآسيا في ذلك الوقت، فتم إقرار التعليم الجامعي المجاني ومساعدة الطلبة ماديا بمنحة كانت تبلغ إلى غاية الثمانينيات 1300 دج، ولكن من حيث النقل والإقامة بقيت الإعانة على حالها، ولم يتغير أبدا سعر الوجبة الذي بدأ منذ نصف قرن بدينار وعشرين سنتيما، فانقرض السنتيم وحتى الدينار الواحد، ولكنه بقي مع وجبة الطالب الجامعي التي لم تتغير في كميتها ولا نوعيتها، لكنها بسعرها الشهير بالرغم من أن عدد الطلبة والطالبات حاليا قد ناهز المليونين مما يعني بأن الميزانية أضعاف ما كانت عليه في زمن هواري بومدين.
يقول قدماء الطلبة من الذين صاروا كهولا وشيوخا الآن بأن نظام المطاعم في زمن قديم كان يسير مثل الساعة، فالجامعي المقيم يعلم ما يطهى له يوم الإثنين مثلا في العشاء، وكانت غالبية الإقامات الجامعية والمطاعم المركزية في نهاية الأسبوع تقدم أطباقا تقليدية، ولم يكن الطلبة إطلاقا يستعملون مواقد الطهي، لأسباب عديدة، منها القناعة والفقر وأيضا جودة الوجبة الغذائية من حيث النوعية حيث يشرف في العادة على الأطباق مختصين في فن الطبخ ومنهم من تم انتدابه من الفنادق السياحية التي كانت هي أيضا كثيرة وراقية بعمالها.. قبل أن تتحسن الحالة الاقتصادية والمادية للمجتمع الجزائري فصار الطالب لا يرضى بالوجبة الجامعية ويصفها بكل النعوت وإذا كانت جيدة اتهمها بنقص النظافة فيها، ولم ندخل سنة 2021 حتى صارت كل غرفة جامعية عبارة عن مطبخ سواء تعلق الأمر بالطالبات أم بالطلبة في ظاهرة غريبة أبعدت العقول وحلّت مكانها البطون.
حادثة “نصيرة” تفجر غضب الطلبة
فجّرت حادثة وفاة الطالبة، نصيرة بكوش، داخل غرفتها بالإقامة الجامعية أولاد فايت 2 للبنات، بسبب حدوث شرارة كهربائية واندلاع حريق في الغرفة، غضب الطلبة والطالبات الذين سارعوا إلى الخروج في احتجاجات كبيرة يشتكون من خلالها بتدني وسوء الخدمات الجامعية ويطالبون بتحسين أوضاعهم التي يعيشونها داخل الأحياء الجامعية، كما أن هناك من التقط صورا لبعض الإقامات توضح بشكل جيد مدى المعاناة التي يتخبطون فيها وسط إقاماتهم الجامعية التي صرفت عليها الدولة مئات الملايير، من أجل أن يجد الطالب جميع ظروف ووسائل الراحة التي تمكنه من الدراسة في جو مريح ومهيأ من جميع الجوانب والنواحي..
معاناة لا مثيل لها داخل الإقامات.. و”الوجبة” كارثة عظمى
لكن ما وجده الكثير من الطلبة في عديد الإقامات يخالف تماما التصريحات التي يُدلي بها المسؤولون في كل مناسبة بشأن تحسين وتهيئة الغرف الجامعية وكذا توفير المرافق التي يحتاجها الطلبة من قاعات للمطالعة ودورات للمياه ومرشات، ناهيك عن الوجبة التي يعتبرها الطلبة في العديد من الإقامات مهزلة واستهزاء بهم، حيث أنهم استغلوا ما حدث مع الطالبة نصيرة، ليطرحوا مشاكلهم عبر الاحتجاجات التي شنوها، وكذا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أين نشروا العديد من الصور والفيديوهات التي توضح معاناتهم كما صوروا الوجبات المقدمة لهم وهي عبارة عن أكلة خفيفة إمّا لوبيا أو عدس أو معكرونة، وخبز ومعها سلطة غير مغسولة بشكل جيد، توزع على الطلبة في “صينية” من الحديد، يقول الطلبة أن شكلها مقزز، ورغم ذلك توزع فيها الوجبة التي أكدوا بأن مذاقها لا يصلح للأكل على الإطلاق..
إقامات جامعية لا تصلح للإيواء
أثارت صور الإقامة الجامعية أولاد فايت 2 بالعاصمة، التي نُشرت في الفايسبوك، ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل انتهت بإقالة مديرها، حيث أنها لا تصلح للإيواء على الإطلاق في ظل غياب الضروريات، دون الحديث عن الأوساخ وسوء دورات المياه واهترائها بشكل كامل، حيث أوضحت الصور، أنها تحولت إلى شبه أماكن ترمى فيها قنوات الصرف الصحي، كما تحدثوا عن الشرارات الكهربائية المتكررة التي تحدث معهم بين الفترة والأخرى خاصة في الجناحين B وC، يضاف إلى ذلك الانقطاعات المتتالية للمياه، الأمر الذي أغضب كل من شاهد تلك الصور وجعل العديد من الطلبة من مختلف الإقامات يسارعون إلى نشر صور إقاماتهم التي كانت سيئة لدرجة لا تصلح لعيش الحيوانات فما بالك بطلبة الجامعات، وهو الأمر الذي جعل الجميع يتساءل عن دور الجهات الوصية ودور وزارة التعليم العالي في إيفاد لجنة تحقيق على مستوى الإقامات للإطلاع على وضع الطلبة والطالبات داخلها..
طلبة يعجزون عن الدراسة بسبب انعدام التدفئة في الغرف
معاناة الطلبة داخل الإقامات الجامعية لا تتوقف عند هذا الحد، بل أنهم يعانون المر والأمر بعد تناولهم الوجبة في المطعم، وعودتهم إلى الغرف ليلا، حيث تكون الغرف باردة لأقصى حد بسبب انعدام التدفئة في العديد من الإقامات وإن وجدت في بعضها فهي لا تصلح للتدفئة الجيدة للغرف، إذ أقسمت لنا بعض الطالبات أنهن لا يستطعن الدراسة أحيانا من شدة البرد، حيث إنهن يرتدين جميع ملابسهن الشتوية ويدخلن في أفرشتهن من أجل الحصول على بعض الدفء وهو الأمر الذي يمنعهن عن الدراسة بشكل جيد، وهناك من تلجأ إلى اقتناء مواقد الطهي سواء الكهربائية أم الغازية وتقوم بتشغيلها طوال الليل من أجل الحصول على التدفئة داخل الغرف، رغم أنها تشكل خطرا كبيرا على حياتهن، لكنهن تعتبره الحل الأفضل من أجل توفير التدفئة داخل الغرف.
الحمام حلم الطلبة…
يعيش طلبة الإقامات الجامعية، عبر مختلف ولايات الوطن، معاناة لا مثيل لها، حيث وصفوا لنا حياتهم بالشبه مستحيلة في ظل انعدام أدنى ظروف الراحة خاصة ما تعلق بدورات المياه التي تعتبر كارثية بأتم ما تملكه الكلمة من معنى نتيجة اهترائها كليا والتسربات التي تحصل فيها وبالأخص على مستوى دورات المياه، وكأن أموال الصيانة التي تستفد منها الإقامات كل عام لا تصرف عليها، والأمر نفسه بالنسبة للمرشات وكذا أماكن الاستحمام.. فهناك إقامات كثيرة بُنيت في أواخر ستينيات القرن الماضي مازالت على نفس هندستها وعلى نفس خدماتها، في الجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران، والمئات من الإقامات التي بُنيت بعد ذلك والتي هي حاليا في طور الإنجاز تنقل نفس الصفات والهندسة، فالحمام جماعي والكارثة الأكبر أن المرحاض أيضا جماعي ولكم تصور حالتها ليلا عندما يغيب عمال النظافة ولا يجد الطالب حتى الماء لتنظيف هذه الأماكن التي يمكن وصفها بالمرض المتنقل أو الناقلة للوباء.
وإذا كان الطلبة قد حولوا غرفهم إلى مطابخ فإنهم عجزوا عن التعامل مع نظافتهم، فالحمام هو حلم للطلبة وخاصة للطالبات، وكثير من الطالبات تجدن أنفسهن مجبرات على عقد صداقات متينة مع طالبات من المدينة التي فيها الجامعة من أجل التوجه إلى بيتها لأخذ حمامها بين الحين والآخر، وحكاية النظافة والطالب ومعاناته تبدأ منذ الساعات الأولى لليوم فغسل الوجه يتطلب مغادرة الغرفة في عز البرد القارص كما هو الحال حاليا في شهر فيفري البارد، والوضوء ليس سهل المنال، أما أخذ الحمام فتلك حكاية لا نهاية لها.
أما عن المراحيض فإن كل الاجتهادات التي قدمتها مختلف التنظيمات الطلابية على مدار عقود اصطدمت بهندسة كل الإقامات الجامعية من الأساس، والتي كانت جماعية وضد منطق النظافة والمحافظة وحتى الأخلاق، بالرغم من أن الاختلاط لم يعد موجودا في الإقامات الجامعية كما كان عليه الحال منذ أربعين سنة حيث كانت في البداية كل الإقامات الجامعية مختلطة ثم تم تخصيص جزءا منها للذكور والجزء الآخر للإناث، وبقيت المشاكل أشبه بالمرض المزمن الذي لا تشفى منه الجامعة الجزائرية.
تصريح مدير للخدمات الجامعية يثير غضب وسخرية المواطنين
أثار تصريح المدير الفرعي للخدمات الجامعية مولود شريف، الذي ذكر فيه أن الوجبة الجامعية المقدمة للطلبة جيدة ولا ينقصها شيء، وأنه في منزله لا يتناول مثلها.. استياء الطلبة وغضبهم وألهب تعليقات السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي، وهو ما جعلهم يباشرون بنشر صور الوجبات المقدمة لهم داخل الإقامات التي يمكثون بها، عبر الفايسبوك، كما تهاطلت آلاف التعليقات لمواطنين استفزهم تصريح المدير الفرعي للخدمات الجامعية في إحدى القنوات الخاصة، فمنهم من رأى أنه يستهزأ بهم ويحاول استفزازهم، ومنهم من دعاه إلى التخلى عن وجبته المنزلية التي رآها بأنها أسوأ من الوجبة الجامعية، وأن يأتي ليتناول مع الطلبة في المطاعم الجامعية..
وكانت الصور التي نُشرت من مختلف ولايات الوطن، توضح معاناة الطلبة من هذا الجانب، فهي عبارة عن وجبة لا تسمن ولا تغني عن جوع، وطالبوا في هذا الشأن وزير التعليم العالي والبحث العلمي التدخل العاجل وإيفاد لجنة تحقيق تداوم على مراقبة الأكل المقدم للطلبة وتسهر على تحسين نوعيته وجودته والتعامل معهم بشكل يليق بالطالب الجامعي.