لا يخفي علينا أن التاريخ المنقوش على الحجر كما قد يهرول الكثيرون اليه، لا ينقل الينا سوى نقوش حيوانات أو أجساد ما تحمل تعابير مختلفة أو تجسد لهوية وثقافة وحضارة شعب… لكن التاريخ أيضا وهو ما يجب أن نجالسه مرحلة مرحلة لنعرف حقيقته، الصواب من الخطأ والخطأ من الصواب كـ قاعدة أساسية نلمس من خلالها الروح الجلية التي يختزنها، في كل ما يتعلق بالتاريخ الحقيقي للشعب الامازيغي.
هكذا يمكن أن نتقصى بكل منطقية وبعيدا عن تلك العاطفة أو النعرة السالبة، لنبني من جديد حضارتنا التي يريد الكثير من الاعداء أن يطمسها تحت ذرائع مختلفة، كان أولها الانصهار والعربنة والادلجة الممكنة لكل ما هو أمازيغي.
كثيرون منَا حين تُذكر الفلسفة يذهب عقله مباشرة للرجال، على اعتبار أن الفلسفة كانت تاريخيًا حكرًا على الرجال دون النساء، لكن ما لا يعرفه هؤلاء أن ثمة نساءً فلاسفة، وهناك كتب في هذا الإطار، منها على سبيل المثال كتاب الدكتور إمام عبد الفتاح إمام “نساء فلاسفة”، ومن بين الفيلسوفات التي ربما لا يعرفهن حتى أبناء هذه المنطقة التي نكسنها الفيلسوفة الأمازيغية “أريتا القورينية”، وهي ابنة لفيلسوف أمازيغي آخر يُدعى أريستبوس، وهو مؤسس المدرسة القورينائية وصاحب المذهب المعروف باسم مذهب اللذة.
ولدت الفيلسوفة أريتا القورينية وعاشت في القرن الرابع قبل الميلاد، وتقع منطقة ولادتها (قورينة) تقع في ليبيا، وكان أبوها أحد تلامذة الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط، إلا خطه الفلسفي جاء مخالفًا لخط أستاذه سقراط، لأن فلسفته قامت على مبدأ فحواه أن الحياة يتمثل هدفها الأساسي في البحث عن اللذة، وهذا بخلاف منهج سقراط، والذي ربما عدنا لبحث في مقال لاحق.
وقد تلقت الفيلسوفة أريتا تعليمها الفلسفي على يد أبيها “أريستبوس”، ثم بعد ذلك نقلت ما تعلمته لابنها، والذي عُرف بـ “تلميذ أمه”، وكأن الفلسفة كانت وراثة في هذه العائلة، ثم تسلمت أريتا مفاتيح المدرسة القورينائية التي أسسها والدها، رغم أن البعض يرى أن ابنها الملقب بتلميذ أمه هو الذي أسس هذه المدرسة وليس أريستبوس. ورغم خروج أريستبوس وابنته عن خط سقراط الفلسفي، إلا أن ذلك لم يمنع الفيلسوف أريستبوس من الوفاء لأستاذه بعد مماته، بل أوصى ابنته بأسرة سقراط خيرًا.