طاهر حداد (و. 1899 – ت. 7 ديسمبر 1935)، هو مؤلف، باحث، واصلاحي تونسي. وهو أحد رواد عصر النهضة، قام بحملة لتطور المجتمع التونسي في مطلع القرن العشرين. ومن المعروف أنه خاض نشاط من أجل حقوق العمال النقابية التونسية، وتحرير المرأة التونسية ومنع تعدد الزوجات في العالم المسلم. الطاهر الحداد هو صديق للشاعر أبو القاسم الشابي والنقابي محمد علي الحامي.
عمل حداد بشكل مكثف على تحسين وضع المرأة التونسية، وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1930 صدر كتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”. والمطالب التي ضمنها كتابه كانت تعد ثوروية بالنسبة إلى زمنها، فقد طالب بتكافؤ فرص التعليم للذكور والإناث، وإلغاء تعدد الزوجات، والمساواة بين المرأة والرجل في حق الطلاق. وتطرق الكتاب أيضا إلى النقاب في شكله التونسي. وعن ذلك تقول إيمان حجي، المتخصصة في الدراسات الإسلامية، ومؤلفة أول كتاب باللغة الألمانية عن حياة طاهر حداد وأعماله: “إن حداد عارض الحجاب الذي يغطي كامل الجسم. وفي ذلك الوقت كانت النساء يرتدين حجابا يغطي الوجه وكامل الجسم. وعارض حداد هذا النوع من الحجاب، لأنه يعيق أيضا التعرف على شريك الحياة، فإذا لم يتمكن الرجل من رؤية المرأة، قبل الزواج قد يؤدي هذا، حسب رأيه، إلى زواج تعيس”. وتشير حجي إلى أن طاهر حداد أكد على أنه “لم يرد في القرآن ما يفرض الحجاب الذي يغطي كامل الجسد”.
لم تحرمه هذه الظروف من تحقيق حلمه وحلم عائلته في الالتحاق بجامع الزيتونة، حتى أنه أصبح من أشهر طلاب الجامع إثر انخراطه في الشأن العام، لا سيما وأنه بدأ الكتابة في الصحف عام 1918، ثم شارك في تأسيس “الحزب الحر الدستوري” التونسي عام 1920، قبل أن يؤسس مع ابن بلدته محمد علي الحامي جامعة “عموم العملة” عام 1924، لتكون أول نقابة عمالية في الوطن العربي.
كان من جملة ما دعا إليه الحداد في كتابه الدعوة لتحرر المرأة المسلمة مما زعم أنها قيود تكبلها داخل مجتمعاتها، والمطالبة بالطلاق المدني وألا يكون من حق الرجل فقط الذي قد يسيء استخدامه ولكن يرجع فيه إلى القضاء، كما عبر عن رفضه لتعدد الزوجات معتبرا أنه سنة سيئة ورثت من أيام الجاهلية، ودعا إلى ممارسة المرأة الألعاب الرياضية وأن تقبل على هذه الألعاب وأن تسعى لمجاراة أختها الأوربية في تقوم به. انتهت هذه الأفكار إلى القانون الوضعي التونسي في مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 1957 حيث أقر بأهلية المرأة لتزويج نفسها مما يستحيل معه عضلها عن الزواج أو تزويجها دون رضاها.
منع تعدد الزوجات إذعانا للشرط الإلهي بوجوب العدل واحتراما للجزم الإلاهي باستحالته وسعيا لضمان استقرار الأسرة التونسية.
أقر الطلاق القضائي حتى لا تطلق يد الرجل في التطليق مع إقرار إجراءات مصالحة قضائية وآجال تفكير وذلك في ثلاث حالات:
- التراضي بين الطرفين
- الضرر الواقع على أحدهما
- طلب احدهما التطليق من القاضي، وفي هذه الحالة على طالب التطليق دفع غرامة للطرف الثاني.
كما انتهت إلى القوانين المؤطرة للمنظومة التربوية التي أقرت المساواة بين الجنسين في التمتع بحق التعليم المجاني والإجباري منذ سنة 1958، وانتهت إلى القانون الانتخابي الذي أقر حق المرأة في أن تكون ناخبة ومنتخبة منذ السنوات الأولى للاستقلال، وانتهت إلى قانون الشغل والوظيفة العمومية الذين لا يقران أي تمييز في الاجور أو الامتيازات بين المراة والرجل بل ويقران عديد الامتيازات للمرأة الأم.
أما “نزع الحجاب” فلم يرد به أي نص رسمي تونسي حتى سنة 1981، إنما كانت الإرادة السياسية واضحة في نبذ كل ما يشير إلى اعتبار المرأة موضوعاجنسيا أو كائنا بيتيا لا ذاتا مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، حرة في خياراتهادون الوقوع تحت ثقل التقاليد. أما سنة 1981، فإن ما صدر هو منشور وزاري يمنع ارتداء “الزي الطائفي” داخل الإدارات العمومية فحسب، والمناشير ليست قوانين تصدرها السلطة التشريعية بل هي نصوص تهم السير الداخلي للإدارات وتأتي في اسفل مرتبة القواعد القانونية المطبقة في القانون التونسي بعد الدستور والمعاهدات الدولية والقوانين والأوامر الرئاسية والقرارات الوزارية. وقد صدرت أحكام قضائية عن المحكمة الإدارية التونسية تعتبر أن غطاء الرأس ليس في حد ذاته زيا طائفيا.
لقد كان الطاهر حداد رائدا لتحرر المرأة التونسية وكأنها نسخة كربونية مما جرى في مصر من خلال كتابي “قاسم أمين” ، “تحرير المرأة”، و”المرأة الجديدة” – حتى إن المرء ليعجب من هذا التماثل – تصدر شخص يدعى “الطاهر حداد” وأصدر كتاباً بعنوان “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” 1933.
كانت أولى القرارات التي اتخذها الحبيب بورقيبة بعد أن تولى زمام الأمور في البلاد عقب خروج الاحتلال الفرنسي، قراره بضرورة نزع الحجاب عن المرأة التونسية معتبرا أنه معوق لقيم التطور والتنمية والحداثة.
نزل بورقيبة إلى الشارع بعد الاستقلال ونزع بيديه الحجاب عن المرأة التونسية.. وسن قانونا (المنشور 102 و108) يمنع ارتداء الحجاب ويعتبره زيا طائفيا يشجع على الانقسام داخل المجتمع. ووفر كل السبل وسهل كل الطرق المؤدية إلى اختلاط الشباب بالفتيات كما حرم تعدد الزوجات وأحل التبني -وحرم زواج الرجل من مطلقته التي طلقها ثلاثا بعد طلاقها من زوج غيره.
وفي سبيل التمكين لقراراته أصدر في عام 1956 وبعد ثلاثة شهور من إعلان الاستقلال مجلة الأحوال الشخصية التي تضمنت أغلب هذه القرارات التي إعادت افكار الطاهر حداد الى الحيوية والتطبيق العملى.
توفى الحداد في 7 ديسمبر 1935، ولم يسر في جنازته سوى عدد قليل من أصدقاؤه. انتمى الحداد إلى عديد الجمعيات الثقافية لإيمانه أن للجمعيات الدور الأكبر في النهوض بالأفكار وتكريس النور مكان الظلام فكان نبيّا مجهولا في عصره وأصبح إماما متبعا بعد وفاته. قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين بعد الفراغ من قراءة كتابه: لقد سبق هذا الفتى قومه بقرنين.
أما اليوم فإن طاهر حداد دائم الحضور في حياة التونسيين، فهناك العديد من الشوارع والمؤسسات الثقافية التي تحمل اسمه. وبالنسبة إلى منوبية بن غداهم فإن آراء هذا المفكر الإصلاحي ما زالت تعيش حتى بعد مرور ثمانين عاماً على صدور كتابه. وفي هذا السياق تقول الناقدة الأدبية: “أعتقد أنه لا يوجد اليوم أي شخص يتمتع بالشجاعة الكافية لكتابة ما كتبه طاهر حداد في ثلاثينات القرن الماضي، كما أن أفكاره تحمل طابعاً نقدياً أدق وأشد من النقد الموجود في الوقت الحالي”.