لم يحل اعتلال عينيه بينه وبين شغفه بفن المنمنمات الذي قاوم عبره الاحتلال الفرنسي؛ فمعارض الجزائري الرائد، محمد راسم جابت بقاع الأرض شتى حتى بعد اعتلاله وتوقفه عن ممارسة لفن، معلنة قدرة الشغف على تجاوز المعوقات البدنية والصحية، حتى أصبح أحد أبرز الرموز الفنية في العالم.
كان مقاومة الاحتلال الفرنسي عبر الفن أحد أبرز سمات فن محمد راسم؛ وعبر المقاومة السلمية بالفن جابت معارض محمد راسم العالم من شرقه إلى غربه، فعبرت من وطنه الجزائر شرقًا إلى القاهرة ثم إلى الغرب نحو روما وبوخارست وستوكهولم وكوبنهاجن، أما القسم الأكبر من مجموعته، فلا تزال تزين متحف الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة.
محمد راسم (1896 – 1975) رسام جزائري تخصص في المنمنمات، وهو من أوائل الرسامين الجزائريين.
ولد الفنان محمد راسم عام 1896 بالجزائر في حي القصبة. من أسرة عريقة في ضروب الفن التشكيلي، وقد اهتم مُنذ نعومة أظافره بفن المنمنمات متمكنا منه بسرعة مذهلة وذلك بمساعدة أعضاء أسرته فيما بعد، كرس محمد راسم جل حياته لهذا الفن الذي ساهم بقدر كبير في شهرته.
والده عمل في الحفر على الخشب وطرق النحاس، وعمه كان يعمل في النقش على أحجار شواهد القبور، وشقيقه الأكبر تخصص في فن الخط، في الوقت الذي اهتم فيه بالدين والسياسة بجانب عمله كخطاط، وبعدها قام تفرغ لتعليم فن زخرفة المخطوطات للطلاب الجزائريين، في فترة الاستعمار الفرنسي.
عمل راسم لمدة طويلة مدرسا في معهد الفنون الجميلة، وجُمعت منمنماته في عدة مؤلفات، منها الحياة الإسلامية في الماضي، كما وضع راسم أسس مدرسة المنمنمات الجزائرية، وكان له فضل في تكوين العديد من أجيال التلاميذ الحاملين لفنه الذين حافظوا على هذا الفن وأثروه.
ووصلت أعمال راسم إلى العالمية حيث عُرضت الكثير من أعماله في متاحف عالمية شهيرة، كما أنه نال الجائزة الفنية الكبرى للجزائر عام 1933 إضافة إلى وسام المستشرقين.
اقتنع محمد راسم أن المقاومة يمكن كذلك خوضها على الجبهة الفنية. لهذا السبب حاول جاهدا أن يحمل إنجازاته علامات الإبداع، العظمة والفخر كما كانت عليه حال الجزائر قبل الحقبة الاستعمارية وكما كان يريدها بعد استعادة استقلالها. كان يريد أن يوقظ كرامة الشعب الجزائري، أن يثير غيرته، جدارته وحنينه. وقد قادته بذلك قناعاته العميقة، النابعة من روح الحرية، إلى لقاء شعبه ووطنه في سبيل تصحيح تاريخهما الذي حرفه الاستعمار.