صاحب البيت الشهير “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”، كان شاعرا وجدانيا عميق الإحساس، نادى بتحرير الشعر العربي من صورته النمطية القديمة، والانفتاح على الفكر والخيال وأشكال التعبير الجديدة.
ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من فبراير عام 1909م الموافق الثالث من شهر صفر سنة 1327 هـ في مدينة توزر بتونس. قضى الشيخ محمد الشابي حياته الوظيفية في القضاء بمختلف المدن التونسية حيث تمتع الشابي بجمالها الطبيعي الخلاب، ففي سنة 1328 هـ 1910م عين قاضيا في سليانة ثم في قفصة في العام التالي ثم في قابس 1332هـ 1914م ثم في جبال تالة 1335 هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337 هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم انه نقل إلى بلدة زغوان 1345 هـ 1927م ومن الأرجح أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان إلى صفر من سنة 1348هـ – أو آخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348 هـ.
يعدّ الشاعر أبو القاسم الشّابيّ من أبرز روّاد الأدب العربيّ، والأدب التّونسيّ على وجه التحديد، يتميّز شعره في تلمُّسه للأثر الأندلُسيّ، بالإضافة إلى اتّباعه نهجاً قديماً في الشِّعر، وهو إيراد الجُمل المُتوازية، فكان سبباً في إعادة إحياء هذا النّمظ في التُّراث العربيّ، كذلك تمتّع الشّابيّ بالموهبة التي انعكست في شِعره المليء بالمشاعر والخيال المُصاحب للصّور الفنيّة الغنيّة، والفريدة من نوعها، ويجب التّنويه إلى أنّه نقل الجانب الإنسانيّ الذي يحمله، وحبّه للحياة وعشقه لوطنه الكبير من خِلال أدبه، فما كان شِعره إلّا وسيلةً ينقل بها أحزان بلاده ومُشكلاته، كما لم يخلُ شِعره من الجانب المُشرق الذي يدفع لحبّ الحياة والإنسان.
يعدّ التِّكرار من الأساليب الأدبيّة التي برزت عند أدباء العصر الحديث رغم استخدامه قديماً في الشِّعر العربيّ، إذ لا يكاد يخلو ديوان شعر حديث من هذه الظاهرة، ولعلّ السبب في ذلك هو ما يعطيه هذا الأسلوب من دلالات نفسيّة وفنيّة تدعم الحركة الإيقاعية والدلالية في الشعر، كما أنّ لهذا الأسلوب العديد من الأشكال والصّور ويتمثّل ذلك في شعر الشابي من خلال تكراره للكلام، أو لأسلوب ما في قصائده،
تعرف الاستعارة بأنها أحد الأساليب الّلغويّة التي تخرج الألفاظ من المعاني الحرفيّة المُرتبطة بها، إلى معانٍ أخرى أكثر عُمقاً واتّساعاً، ممّا يجعل هذه الألفاظ أكثر استقطاباً لفِكر القارئ، على نحو يدفع إلى التّفكير في المقاصد المُرادة وراء استخدامها، ومن الأمثلة على ذلك تصوير الأمور المعنويّة على هيئة أمورٍ محسوسةٍ لتشخيصها وإكسابها صفاتٍ إنسانيةٍ، وهذا ما عمد إليه أبو القاسم الشّابيّ في شِعره، ومن صور الاستعارة في شِعره تصويره الحياة بأنّها كأس ممتلئ بالماء، مع إعطاء الحبّ صفةً بشريّةً وتصويره على أنّه السّاقي لهذا الكأس، وفي نفس القصيدة يُعطي للموت صفّة الإنسان الغاضب والغيور الذي لا يُحبّ اكتمال الأفراح بين الأحبّة.
توفي الشاعر أبو القاسم الشابي في التّاسع من شهر تشرين الأول لعام 1934م، وكان ذلك إثر مرض قلبي عانى منه فترة شبابه، وهذا بعد أن أمضى حياته بين حُزن وأسى صاحباه نتيجةً لِما مرّ به من اضّطرابات، خاصّة بعد وفاة والده، ثمّ موت حبيبته، وبذلك فارق الشابي الحياة عن عُمر لا يتجاوز الثّانية والعشرين،
نقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي توفي فيه إلى توزر ودفن فيها، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال جرى يوم الجمعة في السادس عشر من جماد الثانية عام 1365 هـ. ويعبر الشابي أجمل تعبير عن أنوار تونس والمغرب العربي التي استفادت منها بلاد المشرق كما هي الحال مع ابن خلدون والحصري القيرواني وابن رشيق وغيرهم المعبرين أنصع تعبير عن خصوصية المدرسة المغاربية أو مدرسة الغرب الإسلامي الذي تؤهله جغرافيته أن يكون الجسر بين الغرب والشرق والذي ظل مدافعاً عن الثغور ولم يمح رغم الداء والأعداء كما يقول الشابي.