42 عاما تمر على رحيل الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين الذي بقيت مسيرته وأقواله خالدة في ذاكرة الجزائريين.
محطات مضيئة أدخلت ثاني رئيس للجزائر التاريخ من أوسع أبوابه، وأبقته في قلوب ملايين الجزائريين، حتى عند الأجيال التي لم تعاصر عهده الذي دام 13 عاماً (1965 – 1978).
هواري بومدين واسمه الحقيقي محمد إبراهيم بوخروبة (23 أغسطس 1932 – 27 ديسمبر 1978) الرئيس الثاني للجزائر المستقلة. شغل المنصب من 19 يونيو 1965 بعد انقلاب عسكري على أحمد بن بلة والذي دبره مع طاهر زبيري ومجموعة وجدة. استمر على رأس السلطة حتى وفاته في 27 ديسمبر 1978. يعتبر من أبرز رجالات السياسة في الجزائر والوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وأحد رموز حركة عدم الإنحياز. لعب دورا هاما على الساحة الأفريقية والعربية، وكان أول رئيس من العالم الثالث تحدث في الأمم المتحدة عن نظام دولي جديد.
ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة الحال، ولد في 23 أوت سنة 1932 في دوّار بني عدي (العرعرة) مقابل جبل دباغ، بلدية مجاز عمار على بعد بضعة كيلومترات غرب مدينة قالمة. وسجّل في سجلات الميلاد ببلدية عين حسانية (كلوزال سابقا). في صغره كان والده يحبه كثيرا ورغم ظروفه المادية الصعبة قرّر إكمال تعليمه ولهذا دخل (المدرسة القرآنية) في القرية التي ولد فيها، وكان عمره آنذاك 4 سنوات، وعندما بلغ سن السادسة دخل مدرسة ألمابير سنة 1938 في مدينة قالمة وتحمل المدرسة اليوم اسم مدرسة محمد عبده، وكان والده يقيم في بني عديّ ولهذا أوكل أمره إلى عائلة بني إسماعيل وذلك مقابل الفحم أو القمح أو الحطب وهي الأشياء التي كان يحتاجها سكان المدن في ذلك الوقت.
يلقبه الجزائريون بـ”الموسطاش” أو “صاحب الشوارب” بالعربية، أو “الزعيم”، أو “الرئيس الذي لم يتكرر”، بعد أن عاشت البلاد فترة حكمه “عصرها الذهبي دبلوماسياً واقتصادياً”.
في عهده، تغير كل شيء في الجزائر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودبلوماسياً، انتقلت معه الجزائر من دولة حديثة الاستقلال تصارع من أجل البقاء إلى دولة فاعلة إقليمياً ودولياً.
شخصيته سحرت وألهمت الجزائريين بكاريزما ثورية وسياسية وقومية صارمة ولا مكان معها لخيانة الوطن أو للفساد، استبقت أفعاله أقواله التي ظلت خالدة، بعد أن كان أول رئيس جزائري يرسخ مبدأ أن “الدولة لا تزول بزوال الرجال”.
كان أول زعيم عربي وإسلامي يفتتح خطابه في الأمم المتحدة بـ”البسملة”، وأعطى اللغة العربية مكانتها الحقيقية في بلاده، وحققت الجزائر في عهده نجاحات دبلوماسية بقيت راسخة، ودفع بالجيش الجزائري للمشاركة بقوة في الحربين العربية الإسرائيلية، وكان من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية.
صاحب المقولة الشهيرة وشعار للجزائر حتى الآن نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، في قمة الرباط 1974 أكد على أن. ” لا وصاية على الفلسطينيين “.. ” لا تفاوض، لا تطبيع، ولا تعامل مع العدو “، كان من دعاة رفع التحدي ومقاومة الاستعمار والإمبريالية، وبجهود رئيس الدبلوماسية الجزائرية آنذاك والرئيس السابق للجزائر عبد العزيز بوتفليقة تمكن الرئيس ياسر عرفات من إلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة عام 1974 م .
ففي حوار أجراه الشاعر الراحل محمود درويش مع الرئيس ياسر عرفات في الذكرى الخامسة عشر لانطلاق الثورة الفلسطينية، تطرق الشهيد أبو عمار إلى أدق التفاصيل لانطلاق الثورة، حيث أكد في حواره أن التأييد الأول الذي تحصلت عليه الثورة وهي في مهدها من الجزائر، وأن أول مكتب فتح للثَورة كان بالجَزائِر مَكْتب لقَائِد فِرنسي من أصل يهودي كان يستعمل قبله لتعذيب الجزائريين، وأن جزائر بومدين لم تبخل يوماً على الثورة في أي طلب في كافة المجالات من دعم سياسياً أو لوجستياً فاتحتاً ذِرَاعيهَا لاحتضان الثَورة الفِلسطينية، وكانت علاقة الجزائر بكل الدول وخصوصاً دول المحور الاشتراكي حسنة للغاية عدا العلاقة بفرنسا وكون تأميم البترول يعد من جهة مثالاً لباقي الدول المنتجة يتحدى به العالم الرأسمالي جعل من الجزائر ركن للصمود والمواجهة من الدول الصغيرة كما كانت الثورة الجزائرية درسا للشعوب المستضعفة.
وفي 2010، كشفت وثيقة مسربة حقيقة المثل الذي قاله بومدين عاماً قبل رحيله “عاش ما كسب مات ما خلا” (لم يكسب المال والجاه في حياته ولم يترك شيئا بعد مماته).
الوثيقة وضحت قيمة المدخرات المالية التي تركها هواري بومدين بعد رحيله، وبلغت قيمتها 690 دينارا جزائرياً أي ما يعادل 5.22 دولار أمريكي.