لبدة الكبرى مدينة من مدن الشمال الأفريقي الكبرى السابقة، وتقع على الساحل المتوسطي عند مصب وادي لبده الذي يكون مرفأ طبيعيا على بعد 3 كيلومترات شرقي مدينة الخمس، التي تبعد 120 كم شرق مدينة طرابلس عاصمة ليبيا، المدينة كانت من أبرز مدن الشمال الإفريقي في عصر الإمبراطورية الرومانية. المدينة صنفتها اليونسكو ضمن قائمة مواقع التراث العالمي في ليبيا وذلك منذ العام 1982.
تاسست إمبراطورية لبدة الكبرى في وقت مبكر من القرن السابع قبل الميلاد من قِبل الفينيقيين، وقد استقر فيها عقبهم القرطاجيون فأصبحت مدينة بونيقية، ولكن الإمبراطورية الرومانية ما زالت تعتبر من أهم وآخر الحضارات التي استوطنتها، حيث أكد المؤرحون أن لبدة وصلت في عهدهم إلى أَوج ازدهارها.
وما ضاعف من أهمية لبدة سابقا هو وجود ميناء طبيعي عند مصب وادي لبدة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وهذا ما كان يجعلها منطقة مرغوبة للزراعة والتجارة، ومستهدفة لاستيطان الحضارات، ومهيئة للسكن، فقد كانت كافة الحضارات تبحث عن أماكن تواجد المياه للاستيطان. وفي العهد الروماني أطلق الرومان على لبدة اسم ليبتس ماجنا وكان ذلك تحديدا في النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد، ما يجعل لبدة تصنف كأحد أقدم الحضارات والمنشآت الأثرية المقاومة حتى الآن، وأصبحت في ذلك العهد سوقا مهما وحيويا للإنتاج الزراعي لوقوعها في منطقة ساحل خصبة. اشتهرت في وقت سابق بتصدير زيت الزيتون ونشر الأساليب المعمارية الرومانية، حيث عجز المعماريون حتى الآن عن وضع تفسيرات منطقية لآلية بناءها نظرا لضخامتها وإعجازها المعماري، حيث دخل في بنائها الرخام والفسيفساء والطوب.
يتميز موقع المدينة بقربها من مناطق زراعية مهمة مثل مرتفعات الحسان الثلاث (ترهونة ونهر السنبس ووادي كعام). وللتدليل على مدى ثرائها وغناها، أن الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر أنزل بها عقوبة لمساندتها لخصمه بومبيي الذي هزمه سنة 48 ق. م، بلغت ثلاثة ملايين رطل من زيت الزيتون سنوياً. وعلى الرغم من تلك الجزية المجحفة فقد ازدهرت مدينة لبده لتبلغ شأناً كبيراً في القرن الثاني الميلادي خاصة عندما اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية أحد أبنائها سيبتيموس سيفيروس (193 م- 211 م) الذي امتد حكم عائلته للإمبراطورية إلى سنة 235 م. وأثناء هذه الفترة شهدت مدينة لبده أكبر توسعاتها، حيث شيدت الساحة السويرية والإيوان السويري (البزيلكة) والشارع المعمد ونبع الحوريات وقوس النصر لسبتيموس سويروس ومنارة لبدة.
إن الميدان القديم وأطلال المعابد المحيطة به والمجاور للميناء، هو مركز المدينة قبل اتساعها في ولاية العهد الروماني، وفي هذه الأماكن نتتبع نمو المدينة واتساعها بالوقوف على التواريخ المتتالية التي أقيمت فيها المباني العامة الفخمة كمبنى السوق البونيقية (انشئ في عام 8 ق. م) والمسرح نصف الدائري (في السنة الأولى قبل الميلاد) ومبنى الكالكيديكوم في سنة (11م- 12م) ثم توالى إنشاء المباني الأخرى خلال القرن الأول والثاني الميلاديين، التي من بينها حمامات الإمبراطور هادريان (أقيمت بين عامي 126م- 127م) وجددت في عهد الإمبراطور سبتيموس سويروس.
ويذكر مراقب آثار لبدة أنه بسبب افتقار المدينة للحماية من لدن الأجهزة الأمنية المعنية كشرطة السياحة، تولى متطوعون حماية مدينة لبدة في مقدمتهم الحاج علي.
ويقول علي حسين احربيش (55 عاما)، وهو متطوع لحماية لبدة، إن “المدينة الأثرية تمثل موروثا ثقافيا عالميا.. هذا التراث ملك لنا جميعا ومجد وحضارة لكافة الليبيين”.
وأضاف احربيش “تربينا ونحن أطفال في المدينة وبين آثارها، لهذا نحمي هذه المدينة المهمة، فهي مقصد للسياح من داخل وخارج ليبيا”. وأوضح أنه يتولى رفقة مجموعة حماية لبدة منذ سبع سنوات دون أي مقابل، وأشار المتطوع إلى أن عمله وباقي المجموعة يتمثل في حماية المدينة الأثرية من السرقة والحرائق والعبث وتشويه الجدران، فضلا عن تنظيف المدينة.