يعد متحف باردو الذي بني بنمط معماري تونسي أندلسي، أكبر متحف في تونس ومن أشهر المتاحف في العالم، وقد أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي لما ينفرد به من كنوز أثرية لا سيما التماثيل ولوحات الفسيفساء التي يتجاوز عددها الـ4 آلاف وتعكس تعاقب الحضارات على تونس.
يقع متحف باردو في ضاحية تونس العاصمة، إلى جانب مقرا البرلمان التونسي، وقد بني هذا القصر منذ القرن الـ15 الميلادي فوق سهل يبعد نحو 4 كيلومترات عن تونس العاصمة وتعود تسميته إلى كلمة ذات أصل إسباني “البرادو” وتعني الحديقة أو الحقل.
وفي القرن السابع عشر اعتنى بايات الدولة المرادية اعتناءا كبيرا بقصر باردو فرمموه وجعلوه مقر ملكهم، وكان هذا الاختيار نتيجة حرص المراديين على الابتعاد عن منافسيهم – الداي وضباط الجيش التركي المقيمين بالعاصمة.
اما البايات الحسينيون فقد نسجوا على منوال سابقيهم من المراديين فاتخذوا باردو مقرا لدولتهم ورسموا ما تركه المراديون وشيدوا القصور والبناءات المتنوعة حتى اصبح باردو بمثابة مدينة صغيرة لها سورها وأبراجها وجامعها وسوقها ودكاكينها وحمامها ومدرستها زيادة على مهامه الاخرى.
وقد اختار مؤسس الدولة الحسينية حسين باي بن على ومن جاء بعده من البايات باردو مقرا لسكناهم ومركزا لإدارتهم يسيرون منه البلاد ويحكمون فيه بين الناس ولا ينتقلون منه الى القصور الاخرى مثل منوبة والعبدلية بالمرسى وحمام الانف إلا لقضاء مدة الراحة والاصطياف.
وقد حرص البايات على المساهمة في تطوير باردو والزيادة في فخامة قصوره غير انه بداية من عهد المشير احمد باشا باي فضل البايات الاقامة بقصور اخرى. فاحمد باي، رغم البناءات الفخمة التي احدثها في باردو (قاعة العرش الكبرى) وتأسيس المدرسة الحربية ودار السكة كان له شغف مفرط بالمحمدية التي سكنها بمجرد ما تم بناء القصر سنة 1942.
وفي سنة 1956، تاريخ استقلال تونس، أطلق عليه اسم المتحف الوطني بباردو. وحظي المتحف بعناية كبيرة حيث وقع ترتيبه وتنظيم اقسامه واستمرت به عمليات الترميم والإضافات خاصة منها فيما يتعلق بالمكاتب والورشات والمخازن وقاعات العرض. ليتمكن الزوار من مشاهدة أهم المجموعات الاثرية والتاريخية والاتنوغرافية وهيئت قاعات جديدة ورتبت القطع والمجموعات بما يتلاءم مع خصائص العرض المتحفي. لكن مع ضيق المكان ووفرة محتوياته اصبح من الضروري ادخال تحويرات متتالية على مختلف الاجنحة والقيام بأشغال تهيئة كبرى ليكون المتحف اكثر اشراقا وجاذبية لزائريه.
المتحف القديم عبارة على يقع طابق الأرضي متكون من مجموعة من الاسطبلات والمخازن إلى جانب دهليز مقبب الوصول إلى ثلاثة طوابق بها العديد من الغرف تبرز فهي هندستها وزخارفها تطور العمارة في تونس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
بداية نجد قاعة قرطاج سابقا، وهي عبارة عن فناء مستطيل، يحيط به من جميع الجوانب الأربعة من رواق مع ستة أقواس على طول وثلاثة في العرض، مدعمة بأعمدة من الرخام الأبيض ويعلو كلا الأقواس المركبة أفاريز رقيقة وأقواس ومقرنصات مذهبة. ثم نلج من الفناء الى قاعة فيرجيل سابقا وهي في شكل صليب، تزين الجدران في جزئها السفلى لوحات الجليز المزين بزخارف هندسية ونباتية والملون في حين أن الجزء العلوي تغطيه المنحوتات الجصية البيضاء المتشابكة والمتداخلة في شكل التعرجات وقلوب وسعف النخيل وأوراق الشجر… ننتقل الى غرفة سوسة سابقا وهي قاعة الاستقبال في القصر، تتميز بزخارفها البديعة والقباب التي تغطيها والمصنوعة من الخشب المذهب غاية في الروعة. كما نجد الغرفة التيبروس هي غرفة الموسيقى سابقا. وهي مستطيلة الشكل، تغطيها اللوحات الخشبية المزينة بأشكال هندسية على أرضية من الذهب. غرفة اوذنة سابقا تتوافق مع غرفة الطعام القديمة وهي مستطيلة الشكل، مجهزة بسقف خشبي محفور ملون.
الوصول إلى القصر الصغير عن طريق درج من الطابق الأرضي عبر دهليز مقبب، تحيط به الجدران مع مقاعد من الرخام. نجد الدرج في الفناء القصر الصغير، ويحده على الجانبين من قبل أروقة مكونة من أقواس سوداء بالتناوب ترتكز على أعمدة من الرخام الأبيض تركزت على نافورة رخامية. يعطي الفناء على عدة غرف صغيرة متعددة الأبواب والنوافذ الرخامية. في الواجهة، فناء يطل على غرفة مركزية كبيرة ذات سقف مزين بالجص المنحوت والملون. زينت جميع الدهليز وبيت الدرج والغرفة كبيرة والفناء بالجليز المتعدد الالوان.
اما محمد باي فقد احدث في باردو قصره البديع بباردو رغم انه كان يميل للإقامة في قصره بالمرسى وتجدر الاشارة بان باردو ما انفك يقوم بدوره كمقر رسمي للدولة الحسينية ومحل عرشها وقاعدة حكمها، فاستمرت المواكب الرسمية تقام فيه وخاصة مواكب البيعة وتقديم التهاني في العيدين كما احتضن باردو موكبي الاعلان عن عهد الامان في سنة 1857 وعن دستور البلاد سنة 1861.
في الـ7 من مايو سنة 1888، فتح المتحف العلوي أبوابه، بعد ست سنوات من أشغال الترميم والتأهيل لقصر حريم العائلة الحسينية وجمع التحف الفنية والأثرية التي تمس مختلف الحقب التاريخية للبلاد وجلبها إليه بعد أن تم عرضها في البداية بفضاءات وقع تهيئتها بقصبة تونس قرب مقر الولاية (دار الباي).
ويمثل المبنى تحفة معمارية للفترة الحسينية التي تعايشت خلالها العادات الأندلسية المغربية، والإضافات الإيطالية الواضحة خاصة على مستوى تخطيط القاعات وتزويق الفضاءات بالجس وبلوحات خزفية وبخشب يرسم أشكالا نباتية.
ويمثل تحويل هذا المجمع القصري إلى متحف للأثار الوطنية حسب ما يأمر به المرسوم الصادر في 25 مارس عام 1885، نتيجة لسياسة أرساها الوزير التونسي خير الدين باشا منذ عام 1876، والتي جعلت للأملاك الثقافية صبغة تراثية وذلك حتى يضع حدا لجامعي التحف الهواة من خلال تقنين جمع القطع الأثرية، والأمر بحجز المجموعة الخاصة لمحمد خزندار والتي امتلكها بطرق غير شرعية.
أصبح المتحف الوطني بباردو أو المتحف العلوي منذ افتتاحه سنة 1888 مكانا لا يفوت زيارته الجمهور العريض للمواقع الثقافية التونسية نظرا لثراء وتنوع مجموعاته.
وقد مكنت أشغال التجديد والتوسع التي بدأت منذ ربيع 2009 من الارتقاء بـ متحف باردو إلى صف المتاحف ذات المكانة العالمية بفضل مقتنياته الثرية والمتنوعة.
يشعر الزائر وهو يتجول يبن جنبات المتحف وكأن الزمن عاد به إلى الوراء، يضم متحف باردو مجموعة ضخمة من التحف والآثار واللوحات:
- لوحة فسيسفائية ضخمة على حائط بهو المتحف، وهي أكبر لوحة رومانية، وتجسد إله البحر الروماني نبتون، تم اكتشافها في سوسة في القرن التاسع عشر ميلادي.
- لوحة تجسد الشاعر الروماني الشهير فريجيل بقطع صغيرة من الرخام والكلس وعجين الزجاج، وتعتبر من أروع وأجمل لوحات المتحف.
- تماثيل الأباطرة الرومان التي تعكس موهبة الفنان في ذلك العصر وقدرته على نحت أدق تفاصيل ملامحهم.
- لوحات فسيفسائية تعود إلى العهد الروماني والبيزنطي وغيرهم من الحضارات التي قطنت المنطقة، وتصور هذه اللوحات مشاهد من الحياة اليومية لهذه الحضارات، كصيد الحيوانات وغزل الصوف، بالإضافة إلى الحدائق والمزارع والأحياء السكنية والنوافير.
- ألواح وتماثيل ومخطوطات من العصر اليهودي والمسيحي والإسلامي وغيرهم، من بينها قطعا آثرية لأقنعة شيطانية تعود للقرطاجين الذين كانوا يضعونها في المقابر بدعوى أنها طاردة للأرواح الشريرة.
- بعض المخطوطات والأواني الفخارية والزجاجية والخزف والنقود القديمة التي تعود إلى العهد الإسلامي في المنطقة وتحديدا عهد الأغالبة والفاطميين والحفصيين وأخيرا الدولة الحسينية.
يمثل متحف باردو في تونس فرصة لعشاق التاريخ والراغبين في الغوص في مياهه، فهو كنز حقيقي تعكس تحفه طبيعة حياة الأمم والحضارات التي تعاقبت على المنطقة، والتي شكلت الهوية الثقافية للبلاد.