يعد كنيس الغريبة أقدم كنيس في إفريقيا وأحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، وترقد فيه – بحسب الأسطورة – واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم، وتقول لافتة معلقة داخل الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية) “يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الأفرنجي، أي منذ خراب الهيكل الأول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور”.
ويحج اليهود إلى كنيس الغريبة، مرة كل سنة، في ذكرى وفاة أحد الأحبار اليهود قبل 100 عام، في الكنيس الذي سمي على اسم طفلة يهودية نبذها أهلها، فاتخذت مقرًا لها خارج حارة اليهود، وظلت هناك حتى ماتت.
وتقول الأسطورة اليهودية إن السكان اليهود شعروا حينها بالذنب تجاه الطفلة فأرادوا تكريمها، وبنوا لها كنيسًا يصلون فيه، وتضيف الأسطورة أنه من ضمن الأحجار التي بني بها الكنيس، الذي يعتبر من أقدم المعابد اليهودية في العالم، حجر استقدم من فلسطين، بالنسبة لليهود، فإن وجود هذا الحجر يعطي قدسية للمكان، الذي تحول قبل 100 عام إلى مزار سنوي، يأخذ شكل “حج”، كما توجد في الكنيس نسخة من التوراة تعود إلى أكثر من ألفي سنة، حسب زعم اليهود.
ويزور الآلاف من يهود العالم سنويا كنيس “الغريبة” الذي تم إنشاؤه قبل 2400 سنة في جربة لأداء طقوس الزيارة من صلوات وتبرك. وتعتبر جزيرة جربة من أهم مناطق تواجد اليهود في تونس، ويعيش فيها حاليا نحو 1200 يهودي.
وخلال أيام الزيارة تشعل النساء الشموع في الجهة اليسرى من المعبد، في حين تقام الاحتفالات والرقص والغناء في الجهة اليمنى.
وتختتم الزيارة بـ”الخرجة الكبرى” و”الخرجة الصغرى”، حيث يتم دفع عربة محملة بالملابس إلى خارج فضاء المعبد. وبحسب حنّة فإنه “تمّ هذا العام إلغاء أي مظاهر احتفالية بسبب جائحة كورونا، ومن بينها الخرجتان الكبرى والصغرى”.
ومنذ سنوات تتميز احتفالات اليهود بالحج إلى معبد الغريبة بتوافد المئات من التونسيين المسلمين من مختلف محافظات البلاد، لمشاركة اليهود احتفالاتهم لبعث رسائل تعايش وسلام بين الأديان.
وهذه العادة الأخيرة يشارك فيها تونسيون مسلمون أحيانا، حيث ترسّخت في جزيرة جربة على وجه الخصوص عادات وتقاليد، من أهمها أن من كانت لديه أمنية عليه أن يزور معبد “الغريبة” ويكتب أمنيته على بيضة ويتبرك بالمقام.
وانخفض عدد الحجاج الذين يزورون الكنيس بشكل كبير منذ الهجوم الانتحاري، حيث تعرض معبد “الغريبة” عام 2002 لهجوم بشاحنة مفخخة، يقودها انتحاري تونسي، أسفر عن مقتل 21 شخصًا (14 ألمانيًا و5 تونسيين وفرنسيين)، وتبنت الهجوم، آنذاك، خلية تابعة لتنظيم “القاعدة، وقبل ذلك كانت الاحتفالات تستقطب ما يصل إلى ثمانية آلاف شخص.
وتراجع عدد زوار الغريبة منذ 2011، حيث بلغ العدد في 2010، نحو 10 آلاف شخص، ليستقر عددهم خلال السنوات الخمس الأخيرة عند حدود الألفين فقط.
ويقول غي عزريا، وهو خبير في السياحة اليهودية إلى تونس، إن “البلاد مرت بفترة عصيبة من جراء العمليات الإرهابية، مما أدى إلى انخفاض كبير في أعداد الحجاج إلى الغريبة وأعداد السياح في تونس، بصفة عامة”.
وقد شهدت تونس ثلاث ضربات إرهابية عام 2015، في متحف باردو، وفي منتجع سياحي في سوسة، في وسط العاصمة، أدت إلى إصدار دول غربية تحذيرات عدة من السفر إليها، بينما أوقفت شركات طيران ووكالات سفر عالمية تسويق الرحلات السياحية إلى تونس.
وكشف وزير السياحة التونسي، روني الطرابلسي، عن استقبال تونس مليوني سائح، منذ بداية العام الجاري وحتى العاشر من مايو/أيار الحالي، معبرا عن أمله في أن يساهم حج الغريبة في نجاح الموسم السياحي في البلاد.
وكان الطرابلسي هو المسؤول عن حج الغريبة، إلى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين عيّن وزيرا للسياحة، ليصبح ثاني يهودي يتقلّد منصب وزير منذ استقلال تونس، عام 1956.
ويعيش في تونس نحو 1500 يهودي يقيم أغلبهم في جزيرة جربة وتونس العاصمة، وكان عددهم 100 ألف يهودي قبل استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956، إلا أنهم غادروها إلى أوروبا وإسرائيل، ويسكن يهود جربة في حارتين، الكبيرة ويقطن فيها أكثر من ألف يهودي، ويقطن في الحارة الصغيرة ما يقارب 300 يهودي، وتتواجد في الحارتين مساكنًا لبعض التونسيين المسلمين، ويمارس غالبية التجار اليهود نشاطهم التجاري في منطقة “حومة السوق” وسط جزيرة جربة، متجاورين مع التجار التوانسة من المسلمين.
تونس كغيرها من الدول العربية والتي تحظى بروح التعايش بين الأديان، دون أي تمييز وهذا ما يعطي إنطباعا حضاريا، ويدل على الوعي الشعبي الذي جعل تونس تزدهر في مجال السياحة.