تعد البطالة في دول شمال إفريقيا من المعضلات التي يصعب حلها، في ظل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، إصافة لذلك الإهمال الحكومي لشرائح الشباب وخاصة الخريجين منهم، لا تزال الأصوات تعلو دون فائدة، فالثورات التي وقعت في ليبيا وتونس، لم تغير أو تحقق أحلام الشباب في الحصول على عمل يحسن مستواهم المعيشي، إلا أن الأمر زاد سوءا من خلال التوترات الأمنية وتضاعف حالات السرقة والنهب في البلاد، وتورط الآلاف من الشباب في الخوض في عمليات إرهابية مع التنظيمات المتطرفة.
هناك أعداد كبيرة من الشباب عاطلة عن العمل، دون أي تقدم ملحوظ من قبل المعنيين، وهذا أدى إلى إصابة الشباب بالإحباط وبأمراض نفسية عديدة أدت إلى مشاكل اجتماعية عديدة، وازدياد معدّلات انتشار الجرائم وإدمان المخدرات، وضعف الانتماء للوطن، وكراهية المجتمع، وهو الأمر الذي يؤدِّي إلى ممارسة العنف والإرهاب، وإهدار الموارد التي يتم استثمارها في تعليم الشباب ورعايتهم صحياً واجتماعياً، ويمكن القول إنّ أهم أسباب ظاهرة البطالة فيهذه الدول تنبع بصفة خاصة من طبيعة المنطقة وتتمثّل أهم تلك الأسباب في :
1- معدّل النمو السكاني في هذه الدول.
2- عدم مواكبة النظام التعليمي العربي لمتطلّبات سوق العمل، وهو الأمر الذي يؤدِّي إلى تكدُّس أعداد هائلة من خريجي الجامعات في صفوف الباحثين عن العمل، وهو الأمر الذي أدّى إلى زيادة نسبة البطالة بين حملة المؤهّلات الدراسية عنها في أيِّ شريحة أخرى.
3- تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي وما صاحبها من تطبيق لبرامج الخصخصة، وهو الأمر الذي أدّى إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين.
4- عدم إقبال الشباب على العمل المهني بسبب النظرة الاجتماعية لذلك العمل، والتخوُّف من تحمُّل المخاطرة في الأعمال الحرة والميل إلى الأعمال المستقرة ذات الدخل الثابت.
تعمل كلُّ دولة على حدة لإيجاد الحلول والوسائل المناسبة للتغلُّب على المشكلة، حيث يختلف حجم المشكلة من دولة إلى أخرى، ففي الجزائر اتخذت الحكومة عدّة خطوات تمثّلت في إنشاء لجان في كلِّ ولاية لتمكين الشباب من فرص عمل، وإنشاء جهاز للإدماج المهني للشباب عام 1990 في إطار وزارة العمل والحماية الاجتماعية، كما تم إنشاء التعاونيات بين الشباب والتي يقصد بها لتمويل مشاريع الشباب بواقع 30% والباقي تساهم به البنوك لإيجاد فرص عمل مؤقتة بأجور توازي الحد الأدنى المطلوب.
وأما في المغرب فأكثر من 42% بين شبان المدن في المغرب بدون عمل، وهو ما يؤدي لتنامي مشاعر الاستياء والإحباط والتوتر خاصة في صفوف الشباب الذين يمثلون أكثر من ثلث السكان، حيث ان مشكلة البطالة تعتبر سببا رئيسيا للاحتقان الاجتماعي، ويشهد المغرب حركات احتجاج غالبا ما يقودها شبان عاطلون عن العمل خاصة ان حملة الشهادات العليا أكثر عرضة للبطالة من أولئك الذين لم ينهوا دراساتهم. ويواجه العاطل عن العمل في المغرب نظرة سلبية ودونية من المجتمع والمحيط العائلي، خاصة فئة الذكور، حيث يعتبر عالة وهو ما يزيد من حدة الضغط النفسي والاجتماعي والرغبة في الهجرة غير الشرعية، فالرجل هو المسؤول والمعيل الأول في الأسرة المغربية، فعمله يعتبر مصدر رزق للجميع، اما المرأة فهي لا تشكل خطرا لحياة الأسرة لأنها عادة ما تعتبر معيلا ثانويا، ولهذا يضطر العديد من الشباب من الحاصلين على الشهادات العليا للقيام بأعمال لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية ومحصلتهم المعرفية، ورغم ان معدلات البطالة في تزايد فقد قلصت الحكومة المناصب المالية المخصصة ضمن قانون المالية.
وأما في ليبيا ونتيجة لعدم الاستقرار ازدادت نسبة البطالة جدا مع مرور الأيام وتوالي الأزمات، وخروج الشركات والسفارات التي كانت توفر وظائف عديدة بدخل جيد، إنّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة والتي تزداد صعوبة في ليبيا الآن، ستساهم في تغيير أذهان الشباب والشابات تجاه العمل. فسابقا كان من النادر أن ترى العاملين في المقاهي من الليبيّين، بل كانوا غالبا من الدول المجاورة. اليوم أصبح المشهد عاديّا، أن يقوم بتحضير قهوتك “المعدّلة” ليبيٌّ، ويحضرها لك إلى طاولتك ليبيٌّ، بينما أنتَ تهاتف ليبيّا آخر يمتهن “السباكة” لتعقد معه موعدا، وأنتَ في طريقك إلى عملك.
وبالنسبة لتونس الأكثر تأثراً بسبب ضعف الموارد، فقد أعلن المعهد الوطني للإحصاء عن ارتفاع نسبة البطالة في تونس الى حدود 17,4 بالمائة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020 مقابل 16,2 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة.
وأظهرت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الرابع من سنة 2020 ان عدد العاطلين عن العمل بلغ 725,1 ألف عاطل عن العمل من مجموع السكان النشيطين مقابل 676,6 ألف عاطل عن العمل تم تسجيله خلال الثلاثي الثالث لسنة 2020 ، لترتفع بالتالي نسبة البطالة إلى 17,4 بالمائة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020، مقابل 16,2 بالمائة في الثلاثي الثالث، وبلغت نسبة البطالة لدى الذكور 14,4 بالمائة مسجلة ارتفاعا ب 0,9 نقطة فيما قدرت لدى الإناث ب 24,9 بالمائة بارتفاع ب 2,1 نقطة خلال الثلاثي الرابع لسنة 2020.
كل هذه الإحصاءات تشير إلى مخاوف عديدة، أهمها هجرة العقول من هذه البلاد إلى أوروبا، وكثرة الجرائم والإنفلات الأمني، وكثرة الفساد وهذا ما يدق ناقوس الخطر في دول شمال إفريقيا وفي كل الوطن العربي.