محمد بنيـس شاعر مغربي، ولد سنة 1948 في مدينة فاس، وأحد أهم شعراء الحداثة في العالم العربي.
يتمتع بمكانة مميزة في الثقافة العربية، منذ الثمانينيات حتى اليوم، ويساهم بحيوية في الحداثة الشعرية على المستويين العربي والدولي. ذلك ما أوضحه الشاعر قاسم حداد، حينما كتب: “سأرى إلى محمد بنيس الشاعر وهو ينزاح بشعريته عن النص ليصوغ لتجربته الآفاق المتصلة بالحياة منطلقاً من المغرب، عابراً مشرق العرب، متوغلا في الحلم الكوني الذي لا يختلف عن الشعر إلا في الدرجة.”. كما أن اتساع تجربته الشعرية وعمقها هما ما دعا الشاعر الفرنسي برنار نويل ليكتب : “إلى جانب أدونيس ومحمود درويش، أنشأ محمد بنيس عملاً لا يدين فيه إلا للبحث الصبور عن أصالته الخاصة ليصبح نموذجاً داخل اللغة العربية، وقد أصبح الآن يحمل مستقبلا هو ما يجعل منه عملاً تأسيسياً.”.
تابع الشاعر محمد بنيس دراسته الجامعية في كلية الآداب ظهر المهراز بفاس، حيث حصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1972 . ثم انتقل إلى كلية الآداب بالرباط، جامعة محمد الخامس ، حيث حصل سنة 1978 على دبلوم الدراسات العليا تحت إشراف عبد الكبير الخطيبي في موضوع ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب (مقاربة بنيوية تكوينية). وفي الكلية نفسها حصل، سنة 1988، على دكتوراة الدولة تحت أشراف جمال الدين بن الشيخ في موضوع الشعر العربي الحديث ، بنياته وإبدالاتها. نشر قصائده الأولى سنة 1968 في جريدة العلم، بالرباط، وفي 1969 بعث قصائد إلى أدونيس الذي نشرها في العدد التاسع من مجلة مواقف ، في بيروت ، كما قام سنة 1969 بنشر ديوانه الأول ما قبل الكلام. غادر مدينة فاس سنة 1972 ليسكن مدينة المحمدية ، على شاطئ المحيط الأطلسي، حيث عمل أستاذا للغة العربية. وعمل منذ أكتوبر 1980 إلى غشت 2016 أستاذاً للشعر العربي الحديث في كلية الآداب بالرباط، جامعة محمد الخامس ـ أكدال. ثم بعدها أصبح متفرغاً للكتابة.
رغم عشقه للرياضيات، استطاع الشاعر والناقد والأكاديمي المغربي محمد بنيس (1948) الثورة على الواقع الذي انتمى إليه وهو صبي داخل فاس، ليغدو أحد أهم الشعراء العرب المعاصرين. هذا الشاب الذي كان يدرس في الثانوية، عاش سنةً بأكملها داخل الحيّ الجامعي في فاس، الذي سيكون له تأثير كبير في توجّهه إلى كلية الآداب عوضَ كلية العلوم. القفزة المُهمّة في حياته كطالب، تكمن في التحاقه بكلية الآداب والتعرف إلى كتابات بدر شاكر السياب، الذي شكّل أفقاً جديداً للشاعر على مستوى تعامله مع اللغة وخلوّها من الإطناب الإنشائي، إلى حد التقشّف أو الدرجة الصفر في الكتابة على حد تعبير رولان بارت. هذا الالتقاء الروحي مع السياب، سيجعل بنيس يتخلى عن كلّ الشعراء الذين قرأ لهم من قبل، بحكم الفتنة الساحرة، التي تُمارسها قصيدة السياب على أيّ قارئ، يعمل جاهداً على ترميم جراح الذات وفداحتها على أعتاب وجودنا الإنساني. خليطٌ غريب تتّسم به لغة السياب وانسيابية صوره الشعريّة القويّة.
ينتمي الشاعر المغربي محمد بنيس إلى جيل السبعينيات، وهو الجيل الثاني في المشهد الشعري المغربي المعاصر، هذا الجيل المصاب بحمى السياسة والأيديولوجيا. ولعل النص لديه، لم يكن إلاَّ امتداداً صارخاً عن جراح المرحلة وأسئلتها المُؤرقة، تجاه السياسة والاجتماع والبلد، بالشغف نفسه الذي تولد لدى الجيل الأول من الستينيات، على الرغم من تقليدية بعض نَماذج هذا الجيل، لكنّ نماذج أخرى أكثر أصالة ووعياً بتحولات الشعرية العربية المعاصرة، نحيل هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى تجربتي كل من عبد الكريم الطبال ومحمد السرغيني في بعض دواوينهم الشعرية وما حققاه من حداثة في وقت ظل الشعر المغربي تابعاً للحزب وأيديولوجيته. وهذا الأمر، لم يكن إلاَّ مُؤشراً أولياً لتبعية، ظلت تحتكم إليها الثقافة المغربية في ذلك الحين، وهي تبعية الثقافي للسياسي وما عكست من دور سلبي على الشعر المغربي، الذي بدا وكأنه شعر قبيلة وشعارات سياسية. هذا الأمر، هو ما جعل من الشاعر محمد بنيس في دراسته الأكاديمية حول “ظاهرة الشعر المغربي المعاصر” التي أثارت جدلاً واسعاً في صفوف الشعراء، و ثم، جاء سؤاله الإشكالي إلى حدود الآن، لماذا تُهاجر القصيدة المشرقية إلى المغرب، ولا تُهاجر القصيدة المغربية إلى المشرق؟ ويخلص في النهاية إلى أن القصيدة المغربية، هي “قصيدة الصدى وليس الأثر”.
هذا الأمر ترك أثره على عمل محمد بنيس الأوّل «ما قبل الكلام» (1969) الذي كتبه وهو طالب في فاس. نصوص حرص بنيس على إصدارها، كانت تشي بهذا النزوع «السيّابي» في تملّك حياة الطالب/ الشاعر على مستوى اللغة والبناء والصورة. وهذا الاندهاش بقصيدة السياب لم يكُن مُتوقّفاً على بنيس، بقدر ما وسم مرحلة بأكملها، ظلّت تتنطّع في أن تغدو بشكل ما «سيّابية»، عاملة على تكسير القوالب الشعريّة الجاهزة الموروثة عن الشعر العربي القديم. لكنّ الدافع الكبير الذي جعل بنيس يطبع عمله الشعري الأوّل، يرتكز في نظره إلى مفهوم الحداثة، التي من سماتها الفكرية «المواجهة»: مواجهة واقع لا يعترف بالشعر، باستثناء الأعمال القليلة التي كانت متواجدة آنذاك لشعراء من الجيل الأول أي الستينيّات.