يؤمن العم علي (55 عاما) صاحب مطعم في جزيرة جربة التونسية بأن غذاء العقل لا يقل أهمية عن غذاء الجسد، وأن الكتاب مثله مثل بقية الحاجيات اليومية للإنسان كالطعام والشراب تماما، فقرر منذ سنوات مكافأة لكل تلميذ في الجزيرة يحرز علامات عالية في الدراسة بوجبات مجانية في مطعمه، وشرطه الوحيد أن يأتيه بدفتر الأعداد (كشف العلامات).
ومع مرور الوقت لاحظ العم علي تراجعا كبيرا في عدد المقبلين على قراءة الكتب في المكتبة العمومية المجاورة لمطعمه، وهو ما حز في نفسه كثيرا وشعر بمسؤولية الأب تجاه أبنائه بضرورة توجيههم للطريق الصحيح الذي يعتبر القراءة حجر الأساس فيه.
وجربة هي جزيرة تونسية تلقب بجزيرة الأحلام، تقع في محافظة مدنين في الجنوب الشرقي للبلاد، وتعد من كبرى جزر شمال أفريقيا بمساحة تبلغ 514 كلم مربع، وهي من أبرز المناطق السياحيّة في الجمهورية التونسية والتي تمتاز بمعالمها الأثرية وشواطئها الرملية المميزة وطبيعتها الخلابة.
الكتاب أولا
يولي العم علي قراءة الكتب أهمية بالغة وكان يحلم بأن يصبح معلما لكنه انقطع عن الدراسة لأسباب خاصة، فقرر استغلال عمله البعيد عن مجال الكتب والتعليم وطوعه لتشجيع الناس على المطالعة بتقديم سندويش مجاني لكل من يقرأ كتابا أو قصة.
يقول للجزيرة نت “لا تقل القراءة أهمية عن الطعام بالنسبة لي، وتراجع الاهتمام بها في زمن مواقع التواصل الاجتماعي محزن جدا، وقد قررت إعادة روح الشغف بالكتاب خاصة لدى الناشئة الذين فتحت أعينهم على الإنترنت منذ الولادة”.
خصص العم علي قاعة الأكل في مطعمه للمطالعة، ووضع فيها قصصا وكتبا مختلفة، وعلق لافتة كتب عليها سندويش لكل من يلخص كتابا، وقد لاقت فكرته استحسان الجميع وأصبح الأطفال والشباب يتوافدون على المحل وينهمكون في قراءة الكتب، في منافسة طريفة بينهم.
ولم يكتف صاحب المطعم بالكتب الموجودة في مطعمه فقط، بل اتفق مع مدير المكتبة العمومية المجاورة لمطعمه ومدّه بإيصالات شراء يقدمها المدير لكل من يلخص كتابا قرأه بعد أن يطلع عليه شخصيا حفاظا على المصداقية.
إقبال واسع
استحسن سكان المنطقة فكرة العم علي، وثمنوا تشجيعه المتواصل للجميع على ضرورة التمسك بعادة قراءة الكتب التي كادت تندثر، يقول حامد -أحد سكان الجزيرة- “هذا الرجل يستحق الشكر والتقدير، فهو يحمل قضية مهمة وهي إعادة الاعتبار للقراءة في زمن كثر فيه الاستخدام السلبي للهواتف الذكية”.
ولم يحدد العم علي عمرا معينا بالنسبة للقراء، فهو يوفر كتبا تتماشى وجميع الفئات العمرية، يقول “لا يوجد عمر معين للقراءة ولكنني أحرص على أن يتناسب الكتاب مع عمر الزبون، فمن غير المعقول أن يقرأ شاب في الثلاثين من العمر قصة أطفال والعكس صحيح”.
رغم انقطاعه المبكر عن الدراسة، فإن العم علي حقق حلمه بأن يصبح معلما دون الدخول إلى الجامعات، فمهمته النبيلة التي يقوم بها دون مقابل خولت له افتكاك صفة المعلم بجدارة، لكنه يقول إن “الكتاب الذي يُقرأ كالطعام الذي يؤكل، فطعام يُعطي آكله القوة والفراهة، وطعام يُعطي آكله الضُعف والهزال”.