رحلة طويلة أمام “أمل الصغيرة”، إذ سوف تقطع مسافة تصل إلى أكثر من 8 آلاف كيلومتر من الحدود التركية-السورية وحتى مدينة مانشستر البريطانية.
وخلال رحلتها، ستقوم أمل بالبحث عن أمها التي تقطعت بها السبل عقب خروجها بحثا عن طعام لكن لم تجد طريقها للعودة إلى طفلتها.
“أمل الصغيرة” ليست طفلة عادية، فهي دمية عملاقة يبلغ طولها 3.5 متر، وهي تمثل طفلة لاجئة إذ تعد الشخصية الرئيسية والوحيدة لعرض مسرحي يطلق عليه اسم “المسيرة” انطلق الثلاثاء الماضي في مدينة غازي عنتاب التركية قرب الحدود السورية. وخلال الشهرين المقبلين، سوف تسافر “أمل” إلى ثماني دولة أوروبية من بينها ألمانيا.
وترمي منظمة مسرح “غود تشانس” البريطانية من خلال هذا العمل إلى جذب الانتباه تجاه كافة الأطفال المشردين، حيث العديد من قد انفصلوا عن عائلاتهم في الوقت الذي طغت جائحة كورونا على معاناتهم. ويظهر هذا الهدف جليا من شعار الرحلة “لا تنسونا”.
مبادرة فنية فريدة
يؤكد أمير نزار الزعبي، المدير الفني للمبادرة، أن رحلة أمل في غاية الأهمية “بسبب أن العالم بدأ ينشغل بقضايا أخرى لذا فمن المهم جدا جلب تركيز العالم مجددا إلى هذه القضية”. وقال الزعبي إن هدف المبادرة يتمثل في تسليط الضوء على “إمكانات اللاجئين” أكثر من “ظروفهم القاسية”.
وتقول المبادرة على موقعها الإلكتروني إن العمل الفني الذي يشمل جولة “أمل” يعد واحدا من أكثر الأعمال الفنية ابتكارا وشجاعة التي تُقدم إلى الناس في الأماكن العامة “على الإطلاق” إذ يضم العمل لاجئين سابقين سيعملون على تحريك الدمى.
ألمانيا.. ضمن رحلة أمل
وسوف تصل أمل إلى ألمانيا بعد تجاوزها مدن هي أزمير وروما ومارسيليا وجنيف وستراسبورغ، فيما من المقرر أن تزور ثلاث مدن ألمانية هي شتوتغارت وكولونيا وريكلينغهاوزن من الأول إلى الثالث من أكتوبر.
وخلال مبادرة “المسيرة” ستقام فعاليات ثقافية يشارك فيها فنانون محليون وسكان في إطار استقبالهم “أمل الصغيرة”. ففي مدينة شتوتغارت الألمانية – على سبيل المثال- ستقوم الدمية الألمانية الشهيرة “داندو” (Dundu) التي تعني بالألمانية “أنت وأنت”، بعمل فني تستعرض فيه الدمية البالغ ارتفاعها 5 أمتار، أحلامها.
وفي مقابلة مع قناة “دي دبليو”، أكد فابيان سيفالد – أحد القائمين على عرض “داندو” المسرحي- أهمية مبادرة “المسيرة” إذ تعد فريدة من نوعها خاصة فيما يتعلق بتقديم هذا العمل على طول حدود ثماني دول في ظل الظروف الصعبة التي تفرضها جائحة كورونا.
أما في كولونيا، فستقوم جمعية ArtAsyl بتنظيم لقاء بين أمل وكبار السن من الألمان الذين عاصروا حروبا وفي مدينة ريكلينغهاوزن سيتم استقبال “أمل الصغيرة” بفعالية تحت عنوان “مرحبا بك في شارعنا” بمشاركة سكان المدينة في إطار مهرجان Ruhrfestspiele Recklinghausen الألماني الشهير الذي يعد أحد أكبر وأقدم المهرجانات المسرحية في أوروبا .
وانطلاقا من ألمانيا، ستواصل أمل رحلتها إلى أنتويرب وبروكسل وباريس ولندن لتصل وجهتها الأخيرة في مدينة مانشستر في المملكة المتحدة.
أربعة في خدمة أمل
قامت شركة Handspring Puppet الجنوب إفريقية الشهيرة بتصنيع “الدمية أمل” إذ قام مؤسسا الشركة باسل جونز وأدريان كوهلر بهذا العمل رغم أنهما قد خرجا إلى التقاعد.
وأكد كوهلر على موقع مبادرة “المسيرة” على أن “قصص اللاجئين باتت قضية كبيرة في أوقاتنا. ففي الوقت الذي تعاني فيه المسارح من الإغلاق جراء الجائحة، فإن الأحداث الفنية العامة يمكن أن تجمع الناس مرة أخرى”.
ويقف وراء تحريك الدمية أمل أربعة من محركي الدمى، إذ إن الأول والثاني يحركان اليدين والثالث يحرك الظهر أما الرابع فيكون داخل الدمية وهو أيضا المسؤول عن “القيثارة” وهو نظام معقد مؤلف من أوتار لتحكم في تعابير وجه الدمية.
الفن يجمع الناس
وتأسست منظمة مسرح “غود تشانس” البريطانية في عام 2015 في مخيم للاجئين في كاليه بشمال فرنسا الذي كان يُعرف باسم “الغابة”. وحمل أول عمل اسم “الغابة” ولقى إشادة من النقاد عندما عُرض في أهم مسارح لندن ومنطقة ويست إند.
وأكد الفنانون القائمون على هذا العمل مرارا وتكرار أن هدفهم هو المساعدة في تحقيق تواصل بين الناس إذ قالت نعومي ويب – المديرة التنفيذية للشركة – على الموقع الإلكتروني “منذ بدايتنا، أكدنا على الأهمية الكبيرة للفن في الأزمات الإنسانية. الفن يمتلك قدرة على جمع الناس معا وسرد قصص عن البشر”.
ويتفق في هذا الرأي سيفالد، مضيفا أنه تم تنظيم عرض فني للدمية “داندو” في ميدان التحرير بالقاهرة في عام 2013 وعن “طريق الدمية العملاقة استطعنا خلق حالة دهشة طفولية مشتركة كانت بمثابة جسرا بين الاختلافات بين الناس وحدودهم الفكرية وجعلت من الممكن إيجاد قواسم مشتركة بين الحضور”.
ويقف وراء هذا الشكل العملاق من الدمى مثل “أمل الصغيرة” العديد من فناني الرسوم المتحركة إذ يؤكد سيفالد “يتعين على الكثيرين العمل معا لجعل هذا الأمر ممكنا.”
وأضاف “أفضل شعور يحدث في مثل هذه العروض هو عندما نوفر للناس فرصة لتحريك هذه الدمى بأنفسهم. وفي هذه الحالة نتمكن من خلق شيئا يربطنا ببعضنا البعض. هذا هو سحر فن الدمى المتحركة أن نحيي الأشياء معا”.
وكالات