سمحت نتائج دراسة علمية شارك فيها علماء التاريخ والمناخ والجيولوجيا وغيرهم، بكشف الأسباب الطبيعية لهطول الأمطار الغزيرة في شمال ووسط إيطاليا في القرن السادس الميلادي.
وتشير مجلة Climatic Change، إلى أن المصادر التاريخية للقرن السادس عن شبه جزيرة أبنين، تحتوي بصورة خاصة على “حوارات عن عجائب الباباوات الإيطاليين” تنسب إلى البابا غريغوري الكبير، وتتضمن وصف لما يسمى “معجزات المياه” التي يتسبب فيها القديسون بهطول أمطار غزيرة، أو وقف هذه الأمطار والرياح والفيضانات.
وتحتوي المصادر الإيطالية السابقة واللاحقة وكتابات غريغوري تورسكي الذي عاصر البابا غريغوري الكبير، على وصف أحداث وقعت على أراضي فرنسا الحالية، ولكن وصف “معجزات المياه” غير موجود عمليا، ولا يشكل سوى 20% منها أو حتى أقل من ذلك.
وافترض علماء من جامعتي بيزا ووارسو وزملاؤهم من بلدان أخرى، أن سبب هذا التركيز على “معجزات المياه”، هو التغيرات المناخية في وسط وشمال إيطاليا في القرن السادس الميلادي، التي تجلت بهطول أمطار غزيرة وحدوث فيضانات. ولتأكيد هذه الفرضية، درس الباحثون صواعد (الأعمدة الصاعدة) في كهف رينيلا الواقع في شمال توسكانا. وباستخدام طريقة اليورانيوم-الثوريوم، تمكنوا من تحديد عمر طبقات هذه الأعمدة على مدى قرون عديدة، وقياس نسب نظائر الأكسجين في هذه الطبقات، ما سمح لهم بتحديد الحدود بين الفترات الرطبة والجافة في هذه المنطقة.
وأظهرت نتائج التحليل، أن القرن السادس الميلادي في شمال ووسط إيطاليا، تميز بمستوى مرتفع للرطوبة. ويعود السبب المحتمل في ذلك، إلى طول المرحلة السلبية في التقلبات الأطلسية- النظام الجوي الذي خلاله تجلب الرياح الغربية الهواء الرطب من شمال المحيط الأطلسي إلى أوروبا.
وبما أن تركيز نظائر الأكسجين الخفيفة مرتفع في هواء المحيط الأطلسي، مقارنة بتركيزها في هواء شمال ووسط إيطاليا، فإن وجوده في طبقات الأعمدة يشير إلى أن مصدره المحيط الأطلسي.
ويقول أستاذ الجيولوجيا جيوفاني جانكيتا من جامعة بيزا، لقد أثبتت نتائج هذه الدراسة حدوث تغيرات مناخية في القرن السادس الميلادي، تشير لها المصادر التاريخية بصورة هامشية، جعلت إيطاليا بلدا للأمطار الغزيرة والفيضانات.
ومن جانبه يقول الباحث روبرت فيشنيفسكي من جامعة وارسو، لذلك يجب عدم الاعتماد على المصادر الأدبية وخاصة روايات القديسين، واعتبارها تسجيلات مباشرة للأحداث في تلك الفترة. ولكنها من جانب آخر تعكس وجهة نظر الكنيسة وتفسيرها لتلك الأحداث الاستثنائية.
ويشير الباحثون، إلى النهج المشترك في إجراء مثل هذه الدراسات الذي يعتمد على بيانات تاريخية وطبيعية، يسمح بتجنب التفسيرات المبسطة وأحيانا الكارثية للأحداث الماضية، ويساعد على فهم أفضل لتجارب الناس الحقيقية في الماضي.
المصدر: نوفوستي