موقع المغرب العربي الإخباري :
تصريح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري لقناة عبرية الذي اعتبر فيه القول “إننا سندمر حماس ونجعلها تختفي هو مجرد ذر للرماد في عيون الإسرائيليين”، مضيفا أن “حماس هي فكرة، ومن يظن أننا نستطيع أن نجعلها تختفي فهو مخطئ” مشيرا إلى أنه لا يمكن القضاء على حماس ما لم يتم توفير بديل عنها في قطاع غزة. هذا التصريح أثار لغطا كبيرا، وهو يستحق منا الوقوف عنده لقراءته قراءة متأنية ومتفحصة..
حركة حماس ليست مجرد فكرة، بما يوحي أنها قد تكون فكرةً هلامية، وطوباوية، وبالإمكان دحضها ومحوها من الوجود نهائيا. حماس واقعٌ اجتماعي سياسي مادي ملموس ومتجذر بعمق في التربة الفلسطينية، ويتجلى لنا حضور هذا الواقع في أبهى صوره وأنقاها في الحرب المدمرة المشنة حاليا على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة.
حركة حماس هي إبداعُ شبكة الأنفاق التي تخترق قطاع غزة، بطوله وعرضه، الأنفاق التي حيّرت جنرالات القوات الإسرائيلية وأنهكت مخابراتها. وهي الصناعة المحلية التي تنتج السلاح في مصانع تحت الأرض، السلاح الذي يقارع العدو الصهيوني ويتصدى له في الميدان، حماس هي الشباب الذي يحمل هذا السلاح، ويتواجه بواسطته مع أقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط المدعوم من طرف الغرب بقيادة أمريكا، الجيش الذي يتوفر في ترسانته على أحدث وأفتك الأسلحة الموجودة حاليا في الكرة الأرضية.
حماس هي التنظيم المحاصر في القطاع منذ ما يربو على العشرين سنة والمحروم من كل مقومات الحياة، والذي ظن العدو أنه أنهكه وانتهى منه، وبات مردوعا وفي حكم الميت، لكن الكيان استيقظ فجأة ذات السابع من أكتوبر، فوجد هذا المارد قد كسّر الطوق، واقتحم غلاف القطاع، في عملية طوفان الأقصى المجيدة، ووجه ضربة عسكرية للعدو الصهيوني، لم يشهد مثيلا لها منذ إنشائه سنة 1948 في المنطقة.
حماس وباقي حركات المقاومة الموجودة إلى جانبها هي التي أفشلت جميع مخططات الجيش الصهيوني حين اقتحم القطاع، وتصور أن اقتحامه سيكون نزهةً ينتقم فيها، خلال أيامٍ، شر انتقام من المقاومة ويفرض على حاضنتها الشعبية في غزة جميع مشاريعه، ويعيد احتلالها وإمطارها بالمستوطنات، ثم يعود إلى قواعده سالما غانما، بعد أن يجعل منها من جديد أرضا إسرائيلية..
لكن بدل ذلك، وجد الجيش الصهيوني أمامه حركات المقاومة وعلى رأسها حماس تنصب له الفخاخ منذ اليوم الأول لدخوله القطاع، وتصطاد عناصره كالبط، ولا تزال منذ ما يفوق الثمانية أشهر تُلحق به، أقوى وأعنف الضربات، إلى أن اضطر كبار جنرالاته للاعتراف بأن القضاء على حماس وهزمها أمر مستحيل، وفي ذلك إقرار صهيوني صريح بالهزيمة المذلة.
حماس الفكرة، هي الشعب الفلسطيني الذي يقاوم منذ 75 عاما ترسانة العدو الصهيوني الجبارة بمفرده، ويقدم يوميا قوافل الشهداء والشهيدات، ولم يستسلم، ولم يرفع الراية البيضاء، ولم يقبل التفريط في أرضه، والتنازل عن حقه في ممارسة حريته، واستقلاله، وتقرير مصيره بنفسه. الشعب الفلسطيني هو الذي أنتج حماس، والجهاد الإسلامي، وشهداء الأقصى، وكل الحركات الفلسطينية التي تقاوم الكيان الصهيوني، جيلا بعد جيل، ودون كلل ولا ملل، سعيا وراء كنسه من أرض أجدادها..
وحتى إذا افترضنا أن حماس ليست كل هذه القيم، وأنها مجرد فكرة، فإن القضاء على فكرة معينة لا يتم إلا بمجابهتها بفكرة أقوى وأعقل منها، فما هي الفكرة التي يقترح الكيان الصهيوني ورعاته الدوليون والإقليميون على الشعب الفلسطيني بديلا عن حماس؟ ما هو المطروح حاليا على الفلسطينيين ما عدا المقاومة لطرد الاحتلال من فلسطين؟ ما هي الفكرة البديلة التي يمكن إغراء الفلسطينيين بواسطتها لاستبدالها بالمقاومة؟
العودة إلى طاولة التفاوض مع الكيان الصهيوني، عبر سلطة أوسلو؟ هذه الآلية أثبتت عدم جدواها وتأكد سقوطها النهائي بعد ثلاثين سنة من التفاوض. الضفة الغربية التهمتها المستوطنات، ولم يعد هناك مجال لإنشاء حتى شبه دويلة فيها، ناهيك عن كون الكيان صار يعلن صراحة عن رفضه إنشاء الدولة الفلسطينية، كيفما كان شكلها ومضمونها..
الحديث عن إنشاء بديل لحماس في قطاع غزة يعني سعيا لتدمير حماس بصيغة غير الصيغة العسكرية، فالتدمير الذي يقول دانيال هاغاري أنه غير منتج لجعل حماس تختفي من الساحة، لا يقع هجره والتخلي عنه، وإنما يتم اللجوء إليه، ولكن بطريقة ناعمة. ما لم يستطع الكيان الحصول عليه بالقصف، بالصواريخ والقنابل وبالرصاص، وما لم يدركه في حملته العسكرية المسعورة بالمذابح والمجازر الجماعية، التي اقترفها ضد الشعب الفلسطيني، يريد الوصول إليه، بالتذاكي، على طاولة التفاوض، وكأن ذلك مكافأة له على ما فعله في الفلسطينيين. وطبعا هذا ما لن يقبل به أي فلسطيني، وأي عربي، وأي مسلم، وأي مسيحي، وأي إنسان حرٌّ يهمه نشر العدالة والمساواة بين الناس.
بحنكتها، وبعقول ذويها الجبارة، أفشلت المقاومة الفلسطينية، مؤازرةً بشقيقاتها، المقاومات اللبنانية، واليمنية، والعراقية، الهجمة العسكرية على قطاع غزة، وردتها منكسرة مدحورة، هذه المقاومة الصامدة والمظفرة قادرة على صدِّ جميع المشاريع التي ترمي القفز فوقها، لفرض مشاريع مشبوهة على حسابها.
الوقائع التي نعاينها أكدت أن المقاومة حقيقة عربية قائمة وثابتة ومنبثقة من الأرض العربية، ومعها الحق الفلسطيني الذي تدافع عنه، أما إسرائيل فهي الفكرة المطبوخة من طرف الغرب الاستعماري، والمستوردة والمزروعة في منطقتنا العربية بشكل اصطناعي وتعسفي..
ومنذ إنشائها في قلب الأمة العربية والإسلامية، فإن إسرائيل كفكرة ودولة، لم تنتج إلا الحروب والدمار والقتل والتدمير، ولم تبث سوى الفوضى وعدم الاستقرار، ورغم كل المنشطات الاصطناعية التي حقنها بها الغرب وأمريكا، فإن دولة الاحتلال والعنصرية مُنيت من طرف المقاومة في هذه الجولة من الحرب بهزيمة مدوية. الخلاصُ من إسرائيل/ الفكرة، يكمن في رمي هذه الفكرة ونبذها، بتفكيك الدولة التي قامت على أساسها، واجتثاثها من فلسطين، وهذا ما تكافح المقاومة من أجل إنجازه، لما فيه مصلحة أبناء المنطقة، وعموم أبناء البشرية..
صحافي وكاتب مغربي
انسخ الرابط :
Copied