ما الذي دفع حماس إلى القيام بهذا العمل الجريء والخطير؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من تجاوز الألاعيب السياسية والبحث عن الدوافع والجذور الأعمق لهذه القضية.
اشتعلت النيران في الشرق الأوسط مرة أخرى في 7 أكتوبر 2023، بالتزامن مع الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر. وشنت كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، هجوما مباغتا على المستوطنات الإسرائيلية والكيبوتسات من البر والجو والبحر. لقد قتلوا أكثر من 1400 إسرائيلي وأسروا الكثير. لقد أذهل العالم بهذه العملية غير المسبوقة، التي أثارت عدواناً شرساً من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. لقد تم قصف غزة بلا رحمة، مما أدى إلى وقوع إصابات ودمار هائل في صفوف الفلسطينيين. وأدان المجتمع الدولي كلا الجانبين لتصعيد العنف ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار. ولكن ما الذي دفع حماس إلى القيام بهذا العمل الجريء والمحفوف بالمخاطر؟ ألم يتوقعوا الرد القاسي والوحشي من “إسرائيل”؟ ألم يتوقعوا دعم الولايات المتحدة غير المشروط لـ “إسرائيل”؟ للإجابة على هذه الأسئلة، علينا أن نتجاوز الألاعيب السياسية ونبحث عن الدوافع والجذور الأعمق لهذه القضية.
وتعود الجذور السياسية لهذه القضية إلى قيام “إسرائيل” عام 1948 وما تلا ذلك من احتلال أجزاء من فلسطين وسوريا والأردن ولبنان. ومنذ ذلك الحين، شهد العالم سلسلة من الخلافات حول السيادة والحدود والأمن والدين والهوية، والتي غذت الأزمة الفلسطينية. وتجاهلت “إسرائيل” الضغوط السياسية وواصلت الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات. وقد نددت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً بهذا الأمر ووصفته بأنه غير قانوني وانتهاك صارخ للقانون الدولي. على سبيل المثال، ينص القرار 2334 لعام 2016 على أن المستوطنات الإسرائيلية ليس لها أي أساس قانوني. لكن “إسرائيل” لا تهتم بهذه القرارات وتطالب بحقوق تاريخية ودينية في الأرض بناء على “وعد الله لإبراهيم وذريته”. ومن الواضح أن هذه ليست حجة صحيحة من منظور قانوني وسياسي. علاوة على ذلك، تتجاهل “إسرائيل” حقيقة أن معظم اليهود الذين يعيشون في “إسرائيل” اليوم ليس لهم صلة أجداد بالأرض، وقد تم جلبهم إلى هناك من بلدان مختلفة عن طريق وكالات يهودية بحوافز مختلفة.
ولم تظهر الولايات المتحدة ما يكفي من الجدية والحياد لحل القضية الفلسطينية. بل على العكس من ذلك، قوضت إدارة ترامب حل الدولتين الذي قبله المجتمع الدولي. نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترفت بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان المحتلة، واقترحت ما يسمى “صفقة القرن” التي تحابي مصالح “إسرائيل” وتحرم الفلسطينيين من حقهم في تقرير مصيرهم. -عزيمة. ولم تفعل إدارة بايدن الكثير لعكس هذه السياسات أو لإحياء المفاوضات. ونتيجة لذلك، غض العالم الطرف عن الوسائل الدبلوماسية لحل القضية الفلسطينية، ولم يصدر أي قرار مهم من الأمم المتحدة لوقف التوسع الاستيطاني “الإسرائيلي” غير القانوني منذ رئاسة ترامب. وأدى ذلك إلى موت فكرة الدولتين وتصاعد العنف في المنطقة.
لقد دفع فشل حل الدولتين والحصار الكامل لغزة من قبل “إسرائيل” ومصر، الفلسطينيين إلى حافة اليأس واليأس. لقد أُغلقت القنوات الدبلوماسية، وانتشر التطرف السياسي، ولم يبق أمام الفلسطينيين خيار سوى المقاومة والكفاح. إن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يتجاهله المجتمع الدولي في مواجهة الحرب على غزة، قد وصل إلى نقطة لم يعد لدى الفلسطينيين فيها مساحة أو منطقة عازلة للعيش في سلام وكرامة. لقد طوقت المستوطنات غزة والضفة الغربية، لتعزلهما عن بعضهما البعض وعن بقية العالم. لقد أصبحت فلسطين جزيرة للبؤس والظلم في أرضها.
إن العالم يشهد إعادة فتح جرح قديم في الشرق الأوسط، لكنه لا يشكك في فشل الدبلوماسية. فكيف يمكن أن نتوقع من الفلسطينيين أن يتفاوضوا ويتحاوروا في حين أن المخططات التي تفرضها عليهم الولايات المتحدة وحلفاؤها تتجاهل حقوقهم ومصالحهم؟ والمنطق السائد في هذا الصراع هو أن القوة تصنع الحق. وهذا هو ما آمنت به الولايات المتحدة دائما، وهو ما يؤيده شركاؤها الأوروبيون ضمنا. إنهم لا يسألون أنفسهم لماذا يدينون استخدام الفلسطينيين للقوة، بل يبررونه من قبل الإسرائيليين. إنهم لا يتساءلون ما إذا كانوا سيقبلون نفس المنطق في نزاعاتهم الحدودية والإقليمية في أوروبا، والقوقاز، وجنوب وشرق آسيا. أو ربما يظنون أن القوة عنصر محايد حتى يرون من يستخدمها: الجانب الجيد (الإسرائيليون) أم الجانب السيئ (الفلسطينيون)!
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع المغرب العربي الإخباري بل تعبر عن رأي كاتبها حصرياً.
الولايات المتحدة
عملية طوفان الأقصى
فلسطين
حركة حماس
إسرائيل