موقع المغرب العربي الإخباري :
معَ استمرار حرب الإبادة الصهيونيّة على أهلنا في قطاع غزّة؛ بدعمٍ من الدُّوَل الغربيّة، ورضا الأنظمة العربيّة اللاهثة وراءَ التطبيع ومُكتسباتِه الوهميّة، واستمرار المُقاوَمة الفلسطينيّة في التّصدّي للعُدوانِ الصهيونيّ، وإصرار الشعب الفلسطينيّ على التَّمسُّك بأرضِه المحروقة، والبقاءِ في بُيوتِه المُدمَّرة وأماكنِ عبادتِه المُستباحَة؛ ومدارسِه وجامعاتِه المُهدَّمة، يُصِرُّ المُحتلُّ الصهيونيُّ على تطبيق إستراتيجيّتِه المُتمثِّلَة بتهجير الشعب الفلسطينيّ من أرضه، وإلقائه في البحر أو خارجَ أراضيه.
ولمّا كانَ الشعبُ الفلسطينيُّ مُتمسِّكاً بمشروعه المُقاوِم ورغبتِه في الخلاصِ من المُحتلّ، فإنّ الأخيرَ بدا أكثرَ إصراراً على استباحةِ الأراضي الفلسطينية جميعِها؛ في غزّةَ والضّفّةِ الغربيّة وغيرِهما من الأراضي العربية، بل إنّ المُحتلَّ الصهيونيَّ عملَ على تحويل الضفّة الغربيّة إلى قطاع غزّة باستعمالِ أساليبِ الإبادةِ عينِها، واتّباعِ سياسةِ الإغلاق الكامل، وإلغاءِ تراخيصِ العمل، ومُلاحقةِ المُقاوِمين، واتّباع أساليب قتاليّة من شأنها أن تُؤثّرَ سَلْباً في عمل السُّلْطة الفلسطينية، وتُزَعْزِعَ وُجودَها، وأن تدفعَ سُكّانَ الضفّة، وعموم الشعب الفلسطيني، نحوَ اليأس من التعامُل مع المُحتلّ والعودة إلى الكفاح المُسلَّح لأنَّه المُخلِّصَ الوحيدَ من المُمارَساتِ الصهيونيّة على امتداد الأرض المُحتلّة.
ولمّا كانت القيادةُ الصهيونيّةُ ترفضُ القبولَ والإقرارَ بإخفاقها في التعامُلِ معَ ملحمةِ طُوفان الأقصى وانعكاساتِها على الكيان، على الرَّغم من ظُهورِ أصواتٍ صهيونيّة تَصِفُ ما يقومُ به المُحتلُّ الصهيونيُّ “بالعمى الإستراتيجيّ الذي ينبغي الاستفاقةُ منه”، بعدَ أن أوصلتْ قيادةُ نتنياهو الكيانَ إلى الحضيض، بعد أكثر من خمسةٍ وسبعينَ عاماً من الاحتلال وعودة قادة الكيان إلى العقيدة الصهيونية القديمة المتمثلة باحتلال الأراضي الفلسطينية جميعها، ومحاولة التوسع خارجها. ولما كانت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية غير متوقعة من قادة الاحتلال، كانَ من الطبيعيِّ أن ينسحبَ مُرتزقةُ الاحتلال من مدينة جنين ومُخيّمها بعد قتال شرسٍ مع قُوى المُقاوَمة، وعلى الرغم من انعدام وجود ضمانات تمنعُ عودةَ قوّاتِ الاحتلال إلى العُدوانِ مُجدّداً على الضّفّة ومُخيّماتها، لكنَّ الصبرَ والمُقاوَمةَ والتَّصدّيَ البُطوليَّ لقُواتِ الاحتلالِ فيها يُؤكّدُ أنّ هذه العودةَ إذا تمّتْ، فإنّها لن تكونَ نُزهةً للمُحتلّ وقُوّاتِه، وأنّهُ سيخسرُ فيها كثيراً من جنوده وقادتِه كما هو الحال في القطاع، ولمّا كانت العقيدةُ الصهيونيةُ قائمةً على أنّ “الدولةَ اليهوديّة” يجبُ أن تمتدَّ إلى جانبي نهرِ الأردن. وأنّ “إسرائيلَ” يجبُ أن تشملَ الضفّةَ الغربيّةَ وغزّةَ وجُزءاً من الأردن أو كُلّه، فإنّ العقيدةَ الفلسطينيّة المُقاوِمة غدَتْ أكثرَ إصراراً على التمسُّك بالحقِّ الفلسطينيّ واستعادتِه من المُحتلّ بالوسائل كافّةً، ولا سيّما بعد أن ثبتَ بالدليل القاطع فشل اتفاقيّاتِ “السّلام” ومُعاهداته معَ الكيان الصهيونيّ، بل إنّ قادةَ الكيان الصهيونيّ أثبَتُوا للعالم أنّ إجرامَهم غدا أكبرَ بكثير ممّا كانَ عليه سابقاً، وأنّ هذا المُحتلَّ لم يَعُدْ في إمكانه القبولُ بوُجودِ أيِّ رافضٍ للاحتلال أو مُنْتَقِدٍ لسياساتِه على قيد الحياة، ولهذا أقدمتْ سُلطاتُ الاحتلال على تصفية المواطنة الأميركيّة من أصول تُركيّة “إيسينيور إزجي إيجي” جنوبَ نابلس في الضفّة الغربية، في أثناء مُشاركتِها في المسيرة السلميّة الأسبوعيّة المُناهضةِ للاستيطان في جبل “صبيح” في بلدة “بيتا” جنوبيّ مدينةِ نابلس، وهذا ليسَ جديداً على قوّات الاحتلال الصهيونيّ التي سبقَ وأعدمَتْ عشراتِ المُتضامِنينَ الغربيّين معَ الشعب الفلسطينيّ، وعلى رأسِهم الأميركيّةُ “راشيل كوري”، والبريطانيُّ “توم هرندل”، وهو الأمرُ الذي ما كانَ لهُ أن يَحدُثَ لولا الدعمُ الغربيُّ الكبيرُ لما يقومُ به المُحتلُّ الصهيونيُّ في حربه على الشعب الفلسطينيّ؛ والمُتضامِنينَ معَهُ أيّاً كانتْ جنسيّاتهم.
صحيحٌ أنّ الرئيسَ الأميركيَّ “بايدن” يتبجّحُ كُلَّ بضعةِ أيام باقتراحاتٍ مُعدَّلةٍ أو جديدةٍ لوقفِ العُدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ وتبادُل الأسرى، لكنّهُ يستمرُّ في تقديم الدعمِ الماديِّ والمعنويِّ إلى الكيان الصهيونيّ، إضافةً إلى تزويده بآلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر والمُعِدّاتِ العسكريّة؛ للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطينيّ وتصفيةِ قضيّتِه، وضَرْبِ قوافلِ المعونات الإنسانيّة العاملة على مُساعدةِ ما بقيَ من نساءٍ وأطفال، بعدَ أنْ مزّقَ العُدوانُ أجسادَ عشراتِ الآلاف منهم، وأصابَهُمْ، وشرَّدَهُمْ خارجَ بُيوتِهم، ليَغْدُوَ الرئيسُ الأميركيُّ “بايدن” شريكاً أساسيّاً لصديقه “نتنياهو” في مُخطّط تصفيةِ القضيّة الفلسطينية وإبادة شعبها، وهو الذي يُدرِكُ تماماً أنّ الأخيرَ لا يُريدُ وَقْفَ إطلاقِ النّار، كما أنّهُ غيرُ مُقتنعٍ بالمُفاوضات من أساسها، إيماناً منهُ بأنّ وَقْفَ إطلاق النار يعني هزيمتَهُ وهزيمةَ كيانِه، وانتصاراً للمُقاومة الفلسطينيّة، على الرغم من الخرابِ والدَّمار والقتل المُروِّعِ الذي قامتْ به قُوّاتُه، ولعلَّ ما يُؤكِّدُ هذا تذكيرُهُ (أي نتنياهو) العالمَ بأنّهُ كانَ مُعارِضاً لقرار “شارون” الانسحابَ من غزّة عامَ ٢٠٠٥، وانتقاده الانسحاب الصهيونيّ من لبنان عام ٢٠٠٠، إضافةً إلى توجيهه انتقاداتٍ لاذعةً إلى اتفاقيّات “أوسلو”، وهو ما يُفسّرُ الاعتداءاتِ الصهيونيةَ المُتكرّرةَ على الضفّةِ الغربية، ورَفْضَ كُلِّ مُحاولات إيقاف الحرب على غزّة، والإمعانَ في سياسة الاغتيالات والتصفيات داخلَ الأراضي الفلسطينيّة وخارجَها، مُحاوِلاً تحقيقَ المشروع الصهيونيّ القديم المُمتدّ بحدُودِه من “الفُرات إلى النيل”، وإعادة احتلال الأراضي التي انسحبَ منها الصهاينةُ طوعاً أو كرهاً، لكنَّ رئيسَ وزراء العدُوّ تناسى أنّ هذا الشعبَ الفلسطينيَّ بقُواهُ المُقاوِمَةِ لا يُمكِنُهُ أن يقبلَ بأقلَّ من استعادةِ فلسطين بجغرافيّتها وحقوقها كاملةً، كما أنّ التاريخَ علّمَنا أنّ هذا الشعبَ الصابرَ المُقاوِمَ لا يُمكنُ أن ينامَ على الذُّلِّ والمهانةِ والعُدوان، وأنّ الإرادةَ التي يمتلكُها قادرةٌ على إنجاز مشروعِه الوطنيّ وتحرير أرضِه بدعمِ قُوى المُقاوَمةِ ومُساندتِها لهُ في كفاحِها المُشترَكِ لتحريرِ الأرضِ، واستعادةِ الحُقوقِ المُغْتَصَبَة.
كاتب سوري
انسخ الرابط :
Copied