موقع المغرب العربي الإخباري :
ما بدأه العدو الإسرائيلي من حرب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة، لا ترتبط أهدافه بمسألة القضاءعلى حركة حماس كتنظيم إسلامي مقاوم للاحتلال فحسب، كما لم يكن يوم 7 اكتوبر سبباً رئيساً لانطلاق شرارة حرب تهدف لاستعادة الأسرى فحسب أيضاً، كذلك فإن ما يحصل اليوم في لبنان لا يتعلق بمحاولة الاحتلال إضعاف قدرات حزب الله كتنظيم عسكري مقاوم له علاقاته الاستراتيجية بكل من إيران وسوريا والعراق فحسب، كما لم يكن تدخله منذ 8 اكتوبر في إسناد جبهة غزة سبباً مباشراً لخوض العدو هذه الحرب المدمرة فحسب أيضاً، وحتى ولو أضفنا إليها الحجة “الأنسانية” بإعادة المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل التي يدعيها نتانياهو بأنها الهدف الأساس للعملية العسكرية، كل هذه لا تشكل أسباباً تبرر حجم التدمير والقتل والتهجير الممنهج الذي يمارسه، إذ أنها ليست سوى ذرائع واهية لدخول الحرب ضد لبنان من بوابة توسيعها إلى حرب اقليمية وصولاً إلى هدفه الرئيس، وهو تغيير خارطة الشرق الأوسط وقلب التوازنات القائمة فيه، على قاعدة أن تكلفة هذه المعركة ستكون كبيرة جدا عليه ولن يتمكن من تحملها وحيدا، لذا سيعمل على استدراج كل من واشنطن وطهران إلى آتون هذه المعركة…
فنتانياهو الذي عارضته منذ البداية القيادة العسكرية لجيش الاحتلال حول جدوى تورطه في حرب إقليمية بمعزل عن تحالف أميركي – أوروبي – عربي ضد محور المقاومة يُمكّنه من فرض خياراته السريعة عليه، ارتأى أن ينفرد بقرار الحرب ضد لبنان بمنأى عن الجميع على قاعدة وضعهم تحت “نيران الأمر الواقع” لأنه يعلم مسبقاً حتمية الدعم الأمريكي مع فترة سماح له بالقتل والتدمير حتى دخول رئيس جديد البيت الأبيض في واشنطن، وذلك من أجل تنفيذ مشروعه الكبير القائم على تفتيت المنطقة وإخضاعها للهيمنة الاميركية-الصهيونية، بغية السيطرة على منابع النفط والغاز على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الذي يضم سوريا ولواء الاسكندرون جنوب تركيا، وصحراء سيناء، ناهيك عن الضفة الغربية والأردن لتوسيع الاستيطان فيهما. ويظهر جلياً هذا الأمر عبر مسارعته يوم 29 سبتمبر إلى إعلانه “إلغاء اتفاقية الغاز مع لبنان” تزامناً مع بدء حملته العسكرية على الأراضي اللبنانية، ليؤكد هذا الأمر وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين حين قال “أن توقيع اتفاق الغاز مع لبنان كان خطأ منذ البداية وسوف نحرص على تصحيحه”. كما ويأتي هذا المخطط ضمن المشروع الاقتصادي المشترك لما بات يُعرف بالممر الهندي وهو ممر تجاري يربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.
لقد تجاوزت مخططات نتانياهو الجديدة والمتهورة مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير بأشواط كثيرة وتجاوزت أيضاً ما عُرف بعد ذلك ب”صفقة القرن” ضارباً حل الدولتين بعرض الحائط، مستغلاً حمى الانتخابات الرئاسية في الصراع على البيت الأبيض، وبإيماءات الموافقة الباهتة من قبل الدول الأوروبية على خطابه الأخير حين أبرز خريطتي ” النعمة واللعنة” كما أسماهما، مبرراً بذلك مباشرته بتنفيذ مشروعه الجديد “النعمة”… ومعلناً عن ساعة الصفر لبدء العمل به من على منبر الأمم المتحدة في يوم الاغتيال الكبير للشهيد القائد السيد حسن نصرالله، تلاها بدء الغزو البري الذي اصطدم بمقاومة رجال حزب الله عند الحافة الأمامية، وفي تبديل واضح لتكتيك المقاومة عما شهدناه خلال تموز العام 2006 حين عمدت إلى استدراج العدو إلى عمق القرى الجنوبية حتى مشارف الليطاني للإيقاع به فكبدته في حينها خسائر فادحة، فإنها اليوم تتبع تكتيكاً مغايرا وهو الإنتقال من الدفاع الثابت إلى المتحرك وهكذا دواليك، حيث تبدأ المرحلة الأولى بالدفاع الثابت على الحد الأمامي بالاعتماد على النسفيات والصواريخ المضادة للدروع في التصدي لمحاولات تقدم العدو، فضلاً عن قصف تجمعاته في نقاط التألب ضمن الأراضي المحتلة بهدف إيقاع أكبرالخسائر الممكنة في صفوفهم، ومن ثم الأنتقال إلى المرحلة الثانية أي الدفاع المتحرك باعتماد اسلوب القتال ضمن مجموعات صغيرة تقوم بتنيفذ عمليات قتالية من كمائن وإغارات بمختلف الأشكال ، وذلك في حال قُدر للعدو أن يخترق الحد الأمامي لمسافة 3-5 كلم، ونتيجة للخسائر التي مني بها العدو عمد إلى زج لواء الاحتياط السادس في المعركة، إضافة إلى استدعاء لواءين آخرين لتصبح مجموع قوات الاحتلال على الجبهة الشمالية خمسة فرق معززة …
وفي الوقت الذي يقف فيه حزب الله وحيداً في الميدان متصدياً للغزو الإسرائيلي، فإن مفاعيل هذا الغزو تتنامى وتتمدد خطراً يهدد الكيان اللبناني برمته، وما قصف العدو لطريق المصنع الدولي الذي يربط سوريا بلبنان سوى مقدمة لمحاولة عزل البلد عن العالم الخارجي، قد يتبعه من بعد إجلاء الدول الأجنبية لرعاياها اعتداء على مطار رفيق الحريري الدولي لإيقافه عن العمل، فضلاً عن محاولات قد يلجأ إليها العدو بفرض حصار بحري على الموانئ اللبنانية بحجة منع وصول السلاح إلى حزب الله ليصبح لبنان عملياً تحت قانون “قيصر الأمريكي” لكن بأداة قتل وتدمير اسرائيلية… ولا تنحصر تأثيرات هذا المخطط على المناطق الخاضعة لنيران العدو فقط، والتي تشكل ما نسبتها 70% من مساحة الوطن، إن كان في الجنوب إلى البقاع فالضاحية الجنوبية وصولاً لمدينة بيروت ، بل ستشمل ارتداداته كافة المناطق اللبنانية بما فيها ال30% المتبقية من مساحته والتي يتفاخر فيها بعض المسؤولين بأنها “مناطق آمنة” في إظهارالحرب كما “رسمها العدو الإسرائيلي” بأنها على فئة لبنانية دون الأخرى، متجاهلين بأن الانعكاسات السلبية لها، هي أكبر من المنافع الشخصية والآنية، بل هي في احتمال زوال لبنان عن خارطة الدول، وتحديداً إذا ما نجح العدو بمخططاته، إلا إذا كان “وراء الأكمة ما وراءها” من مخططات تقسيمية عادت لتراود أحلام البعض…
هذا المخطط إذا ما قدر له النجاح سيرتد ناراً وهشيماً على الداخل اللبناني من خلال حرب أهلية واسعة النطاق لعدة أسباب أولها الهواجس التي تراود اللبنانيين بعودة كابوس العام 1982 من خلال فرض رئيس للبلاد يحاكي الغزو الإسرائيلي، بحيث يلجأ إلى نزع سلاح المقاومة بالقوة وثانيها حالتي الإحباط واليأس الممزوجتين بالقهر والألم اللتين أُصيب بها النازحون قد تؤدي إلى مقاربة ما عانوا منه آباءهم وأجدادهم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي والذي كان سبباً من أسباب الحرب الأهلية في العام 1975، ثالثها الإهمال الرسمي الفاضح للنازحين فبعد أن وصلت المدارس الرسمية إلى حدها الأقصى من حيث القدرة على استيعاب النازحين، كان الأوجب على الوزارات المعنية مصادرة الأبنية الشاغرة من مؤسسات رسمية أخرى أو مدنية لقاء بدل مادي لأصحابها بدل ان تقوم برمي النازحين في الشوارع مستخدمة الأجهزة الأمنية في هذا المهمة وتكون بذلك قد عالجت خطأ احتلال النازحين للمباني بخطأ أكبر منه، رابعها الشعور بالاضطهاد الديني بسبب قيام بعض البلديات بالتمييز بين عائلات النازحين على أساس مذهبي، عدا عن الإحساس بالابتزاز المادي الذي يمارس ضد النازحين من دون أي تدخل رسمي من الوزارات المعنية أو حتى البلديات، كل هذا قد يؤدي إلى كارثة وويلات تضرب المجتمع اللبناي أكثر مما هو مبتلياً به من مذهبية بغيضة، ينتج عنها هزات أمنية خطيرة قد تؤدي إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة على امتداد الوطن…
من هنا بات لزاماً على كافة القوى والأحزاب الوطنية واليمينية الانخراط في المعركة أقله بالوسائل المدنية المتاحة وعبر البلديات والجمعيات الدينية والاجتماعية والثقافية، فالمعركة معركة مصير وطن ووجود شعب، وليست معركة تصفية حسابات سياسية ضيقة أو مذهبية حاقدة، فإما أن يبقى وطن اسمه لبنان أو أن يتحول إلى زواريب وأحياء هي أسوأ بكثير من حرب العام 1975. من هنا لم يبق أمام اللبنانيين في مواجهة حرب الإبادة هذه، حرب إزالة وطن عن خارطة الأمم، سوى خيار واحد لا غير وهو المقاومة ومن ثم المقاومة حتى ينقطع النفس….
عميد لبناني متقاعد
انسخ الرابط :
Copied