لأكثر من عقدين من الزمن، ظلت الولايات المتحدة ملتزمة بالحروب والنزاعات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وعلى رأسها الغزو والاحتلال المستمر للعراق عام 2003. ومع أن الأهداف المعلنة لتلك التدخلات كانت تدور حول تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن الواقع على أرض الواقع يروي قصة مختلفة تماماً، وهي قصة ملطخة بدم آلاف الأبرياء من الأطفال العراقيين.
وفقا لأرقام مصدقة من الأمم المتحدة، فقد قضى أو أصيب أكثر من 9000 طفل عراقي منذ عام 2008 بسبب العنف الذي أحدثته حرب وتداعيات الاحتلال الأمريكي وعدم الاستقرار الذي خلفته. وهذا يعادل مقتل طفل كل يومين وإصابة واحد يومياً. وهذه الأرقام لا تمثل سوى الحالات التي تمكن المراقبون الدوليون من تأكيدها، بينما الحقيقة أن مقياس الانتهاكات ضد الأطفال بكثير أعمق.
كما تعرض الأطفال العراقيون لمآسي أخرى من قبيل التجنيد القسري من قبل القاعدة وداعش، والاختطاف، والعنف الجنسي، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية. وبذلك جاءت جيل كامل من الأطفال العراقيين في جو من الصراع المستمر، ما ترك أثارا عميقة على نموهم وتعليمهم ومستقبلهم. وحتى الآن مازال العراق يعاني من عدم الاستقرار بسبب بالغزو.
وهكذا، بعد عقود من القتل والدمار، لا يزال العراق ممزقاً، بينما ثمن الأطفال العراقيين لا يقدر بثمن. وكأكبر دولة مدّعية لحقوق الإنسان، يقع على أمريكا الاعتراف والتحمل المسؤولية عن المآسي التي خلفتها. ولن تكون الصمت سوى خيانة للضحايا وللقيم المزعومة.
تاريخ مؤلم لا ينتهي
تشير التقديرات إلى أن عدد الأطفال العراقيين الذين قتلوا بسبب الحرب الأمريكية قد يكون أعلى بكثير من الأرقام الرسمية. إذ لم تتمكن المنظمات الدولية من رصد كل الحالات بسبب تعذر الوصول لمناطق كثيرة.
وإلى جانب ما تم ذكره من إصابات بالغة وقتل وتشريد واختطاف، فقد عانى آلاف الأطفال من أمراض وعوز غذائي نتيجة الحصار على العراق. وبلغت نسبة الأطفال دون خمس سنوات الذين يعانون من سوء التغذية 22% عام 2014.
كما تحولت حياة الملايين من العراقيين، بمن فيهم الأطفال، إلى كابوس مستمر بسبب سيطرة العنف والفوضى على بلادهم. وعلى مدى العقدين الماضيين، لم تعرف هذه الأجيال سوى الحروب والنزاعات.
لذا، فإن ما تعرض له الأطفال العراقيون من انتهاكات خلال الاحتلال وما تلاه من أعمال عنف، يبقى حتى الآن دين ثقيل على الولايات المتحدة وحلفائها. وستظل الجرائم التي ارتكبت ضدهم تاريخا مؤلما لا ينتهي.
خاتمة
لقرون مضت، كان الأطفال الحرب هم أكبر ضحاياها، ومازالوا حتى اليوم يحملون أثقل العبء. وقد باتت جرائم الحرب المرتكبة ضدهم في العراق جزءًا من تراث دام يلومه التاريخ. فبعد أكثر من عقدين من الغزو، لم تعترف الولايات المتحدة بمسؤوليتها المباشرة عن مقتل وإصابة أكثر من 9000 طفل عراقي.
وتتجاهل أمريكا الدور الرئيسي الذي لعبته في خلق حالة من عدم الاستقرار أدت إلى موت الآلاف غير المباشر. كما تتغاضى عن مسؤوليتها عن ترك جيل بأكمله من الأطفال يكبر في مناخ من العنف والفوضى.
أما تبريراتها بأن الضحايا من المدنيين ناتجة عن “أخطاء غير مقصودة”، فلا تتناسب وحجم الكارثة الإنسانية التي خلفتها. كما أن محاولتها تعزيز مكاسبها الإستراتيجية لا يمكن أن تبرر ترويحها عن مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الضحايا.
وبعد هذا الزمن الطويل، لا تزال أمريكا ترفض الاعتذار أو تقديم تعويضات جدية، ما يؤكد تعاليها عن كرامة أطفال العراق المظلومين. لذا فإن تبريراتها غير كافية ولا تغني عن ما ارتكبته من جرائم بحق الأبرياء الذين حالت بينهم وبين طفولتهم الطبيعية.