موقع المغرب العربي الإخباري :
“كرمال عين تكرم مرجعيون” مَثَلٌ شائعٌ ببلاد الشام يعني باختصار أن الغلبةَ بموضوعِ خلافٍ بين واحدٍ و كثيرٍ هي للواحدِ عندما يكْرَمُ الجمعُ له بالتنازل عن حقهم في الخلاف وهي عادةٌ فيها تسامحٌ إلا إن كان في الإكرام ظلم. وهو بالتحديد جوهر الضغوطات الدولية على محور المقاومة، فإنَّ على العرب المقاومين (وإيران) أن يكرموا للضغط الدولي ولإسرائيل بالإذعان وبالاستسلام تخلِّياً عن حقٍّ في مقاومةٍ و دفاعٍ عن نفسٍ عندما تغتالهم إسرائيل لأن عينَ إسرائيل عندهم تفوق غلاوةً عيونَ كل عربيٍّ وكل من هو غير عربيٍّ يجرؤ على انتقاد إسرائيل. إسرائيل عندهم هي القانون والجميع ممن يخاصمها أسفلهُ وهي تحكم بما تريد وعلى الجميع الإذعان. هذا هو مبدأ الغرب الحليف للصهيونية ولن يتغير. وفيما يستوعب المقاوم هذه الضغوط ويتعامل معها بالصدِّ والحيلة والرفض الساطع يبدو معظم العرب الرسميون المفاوضون وغيرهم إما أنهم لا يفهمون هذا المبدأ أو يتغاضون عنه تزلفاً للغرب ونفاقاً وخوفاً. وغير العرب؟ السيدة فرانشيسكا ألبانيزا هي مقررة حقوق الإنسان الفلسطيني للأمم المتحدة وتتحمل من إهانات الصهيونية الكثير لكنها لا تحيد عن انتقادها لإسرائيل. و وقاحة إسرائيل ضد قولة الحق تصل للرغبة والتصريح بإزالة مقر الأمم المتحدة لأنه يمثل كياناً لا يقف مع الصهيونية كما تريد إسرائيل، هذا بالرغم من تماهي بعضٌ ليس بالقليل ممن في المقر مع الصهيونية علناً وسرّاً. كذلك غير عربياً، مثل إيران، المضروبة بالتدريج المتواصل المؤلم بل والمُهين، فهي ليست إلا هدفاً مشروعاً للمخرز اليهودي وواجب طهران كما يرى الغرب المنافق تحكيم العقلانية والتغاضي. مبدأ إيران في المقابل هو التمايز مع مصلحةٍ لا يفهمها غيرها، أو يفهمونها جيداً، مع استخدام التهديد والتهويش والتأكيد بردودٍ قادمةٍ لا محالة لكن قد تطول، كما قالت إيران. قال دونالد ترمپ أنه بعد اغتيال قاسم سليماني في بغداد أبلغتهم إيران أين وكيف سترد. ترمپ يكذب كما نعلم لكن وزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف أكدَّ في مذكراته المنشورة هذه السنة ما قاله ترمپ. هكذا هي التفاهمات الدبلوماسية في خضم الاختصام الدموي و لا يُغَيِّرُ هذا من حقيقةِ سطوةِ المخرز الإسرائيلي الغربي وميلان كفةَ ميزان القوة لصالح إسرائيل التي تحظى بحمايةٍ أُسطوريةٍ أُسطوليةٍ غربيةٍ، وخشيةِ محور المقاومة وإيران من حربٍ تُضيعَ تخطيطاً استراتيجياً يعملون له كما نقرأ. هكذا تقول عُصبةُ المحللين الناطقين عن هذا المحور، والمبالغين حسب ما أرى في تصويرهم لقوة المحور وبوادر تفتت إسرائيل من الداخل أمامه. ربما كان تفاؤلهم مبنياً على خطأ توقيتٍ وخطأ آمالٍ فما نعيشه اليوم لا يقول أن الانتصار واقعٌ في مدىً قصيرٍ سنعيشه، ولا نستطيع بالطبع أن نتكلم عن مدىً أطول لن نكون ممن يراه. وهنا الألم الشخصي الذي يحرقنا أننا سنمضي دون أن نشفي الغليل أو نتنسم النصر المبين.
لقد سألتُ بمقالةٍ سابقة نُشِرتْ قبل أشهرٍ عن هدف المقاومة الذي يبدو اليوم منقسماً بين مرحليٍّ يريده المحور موجعاً، وبعيد المدى لكنه غير واضح و أقول أيضاً بعيدَ المنال. المرحليُّ هو ما نراه اليوم من حربٍ ضروسٍ فيها صبرٌ من المقاوم و ابتكارٌ للصمود والرد لا شك لكنها حربٌ تُمْعِنُ في الطرف العربي المقاوم أكثر مما تفعل للطرف الإسرائيلي فلا مجال للمقارنة بين أعداد الشهداء وقيمتهم الفعلية والمعنوية وبين قتلى الصهاينة، ولا لحجم التدمير أو الإصابات المعيقة أو انتشار الفقر والمرض بيننا، في غزة تحديداً، بينما هم يتمتعون بالعناية الطبية الفائقة. إنها حربٌ توصف بالأطول والأقسى لكنها ليست متكافئةً واليد الطولى فيها هي للإسرائيليين. أما أنها لإسرائيل مزعجةً كما يتناول جيش المحللون فإسرائيل لا تأبه لهذا الإزعاج القانوني أو الاقتصادي أو المؤثر على الرأي العام ضدها طالما تحظى بالدعم المفتوح من الغرب الحليف. لن يكون هذا الهدف المرحلي ذا جدوى من دونِ نوعٍ من الانتصار الذي يصعب تحديده ما لم يكن مؤثراً و موجعاً في الإسرائيليين لأن كل خسارةٍ لهم يجري تعويضها بسرعةٍ على عكس ما نتوقع للطرف المقاوم الذي يبدو وكأن الدنيا برمتها تحاربه.
أما الهدف الاستراتيجي لمحور المقاومة فهو تحرير فلسطين بالقضاء على إسرائيل، أليس كذلك؟ لكنه هدفٌ يتوقف تحقيقه على حدوث معجزاتٍ شبه كونية في ظل التفاوت في القوة بامتلاك إسرائيل للسلاح المتطور والنووي وضمان مساعدتها من كبار الدول الاستعمارية وصغيرها. وهو كذلك مُراوِحٌ في تحديده هدفاً حين يقترن ذكره أحياناً بعدم الاعتراف و أحياناً من خلال شعاراتٍ تُطلقُ بمظاهراتٍ أو تتردد باحتفالاتٍ تنادي بإبادة إسرائيل وأحياناً بأن المحور في حالة حربٍ مع إسرائيل لكنه لا يتبلور بياناً سياسيِّاً واضحاً يقول “نحن نريد إزالة إسرائيل وسنحقق ذلك”. ونحن شعوباً نريد هذا البيان الذي يخترقُ السمع ويرسخُ عقيدةً في العقل والقلب ويجعل الصراع وجودياً بكل مراحله الآنية وبعيدة المدى لأن خوفنا هو أن تنتصر بعد هذه التضحيات سياسة القبول بإسرائيل حقيقةً متناميةً في النفوذ والاستقواء. لقد حان الوقت، منذ زمن، لأن يعتنق العرب والمسلمين وغير العرب المناصرين عقيدة القضاء على كيان إسرائيل العنصري وصهيونيتها البغيضة لأن بقاءها يعني القضاء علينا جميعاً، و القضاء على اليهود أنفسهم لأن بغيض عمل هذا الكيان يعود على اليهود بموجات كراهيةٍ تتأجج يومياً يساندها تنامي رفضٍ لهم إن بحقيقةٍ مُثبتةٍ وإن بإشاعةٍ عنصريةٍ كما حدث في الماضي القريب. بل أن بقاء هذا الكيان هو قضاءٌ على مواثيق دولية تحمي الإنسانية. إن الكيان الصهيوني هو النقيض من الإنسانية.
إن الجهر بهدف تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل الكيان العنصري الاستعماري هو في حد ذاتهِ إضافةً نوعيةً مخيفةً لقوةِ محور المقاومة والعنفوان الذي نريد بمواجهتها. صحيح أن إسرائيل تملك من القوة ما لا نتصوره لكن السلاح الأقوى الذي تحاربنا به هو قبولها عربياً عبر التطبيع وعالمياً عبر تدليلها بالسماح لها باختراق كل ما هو إنساني وارتكاب كل جريمة. لكن التطبيع العربي السافر والخفيّ هو الذي يقود اليأس عندنا من زوال هذا الكيان البغيض فهدف التطبيع إيصالنا للقبول الكامل بإسرائيل وهو ما يجب وقفهُ في الروح العربية من خلال رفضه و نزعها بالقوة من فلسطين من البحر للنهر. إن تصريح المحور أو على الأقل من هو عربي منه بهذا المبدأ هو استقطابٌ للدعم الشبابي العربي المطلوب للتحرير و تشجيعٌ للغير لحذو ذات المبدأ. إنه نقطة التغيير والصدام المطلوبة وليس المطلوب المراوحة في مفاوضات تعطي إسرائيل الصهيونية شرعية وجود فيما هي تسفك دماءنا كما تشتهي.
دبلوماسي أُممي سابق
الأردن
انسخ الرابط :
Copied