موقع المغرب العربي الإخباري :
رغم الضغوطات الشديدة التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على المملكة العربية السعودية من أجل انتزاع قبولٍ بالتطبيع من جانبها مع كيان الاحتلال والعنصرية المسمى إسرائيل، فيبدو أن الرياض تمكنت من صدِّ هذه الضغوطات ودفعها بعيدا عنها..
لقد اشترطت الرياض، للقبول بالمضي في التطبيع، الحصول على الموافقة الإسرائيلية على وقف حرب الإبادة الجماعية المشنة على الشعب الفلسطيني منذ حوالي الثمانية أشهر في القطاع والضفة، والقبول بإنشاء الدولة الفلسطينية، والشروع في مسارٍ جدي، وبضمانات دولية، يفضي إلى إنشاء هذه الدولة، في مدة زمنية محددة ومعقولة.. وبطبيعة الحال رفضت دولة الاحتلال، مطالب السعودية، ولم تحصل على التطبيع مع بلاد الحرمين الشريفين، هذا التطبيع الذي كان أمنية أمانيها، وذرة التاج، كما سماه نتنياهو عنوانا لحملته الانتخابية..
لا يملك المرء إلا أن يهنئ القيادة السعودية على رفضها القبول بالتطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني. موقف الرياض هذا يتماشى مع الرغبة الشعبية العربية والإسلامية ويجسدها تجسيدا متكاملا. لقد وقع ضخٌّ إعلامي كبير جدا كان ينذرنا بقرب حصول التطبيع السعودي، ووضعنا أيدينا على قلوبنا، وكنا نشعر بالخوف من احتمالية رضوخ السعودية للابتزاز الأمريكي والصهيوني، وأن تبادر للتطبيع مع الدولة العنصرية في هذه اللحظة التي تقترف فيها كل هذه الجرائم المروعة ضد الشعب الفلسطيني.
فلو قُدِّر لتطبيع السعودية مع إسرائيل الحصول، لكان بمثابة كارثة كبرى على الشعب الفلسطيني خصوصا، وعلى العرب والمسلمين عموما، ولمثَّلَ جائزة عظيمة للكيان الصهيوني على مذابحه التي تفنن في ارتكابها ضد الفلسطينيين، بكل الأشكال والصيغ الممكنة، وكان هذا التطبيع، سيفك العزلة الدولية الشديدة التي باتت إسرائيل تعاني منها، بسبب جرائمها ضد الفلسطينيين، وقد يضرب التطبيع السعودي، لو أنه حصل، المتابعات القضائية الدولية التي تطال نتنياهو وزبانيته حاليا، وكان سيشكل تفريطا سعوديا في فلسطين، وتخليا عنها، وإقبارا لحقوقنا في المقدسات الإسلامية الموجودة فيها..
واضح أن السعودية قرأت الأحداث الجارية أمامها قراءة جيدة. فلقد رأت بأم عينيها صمود المقاومة الفلسطينية الأسطوري في الميدان، ووقفت على تمكُّنِ هذه المقاومة بمعية أشقائها اللبنانيين واليمنيين والعراقيين من توجيه الضربات القاسمة للقوات الإسرائيلية، ونجحت في إلحاق الهزائم المتتالية بها في محاور القتل الدائرة رحاها على امتداد كل هذه الفترة الزمنية الحربية الطويلة، ولم يكن من المناسب، بالنسبة للقادة السعوديين، تقديم طوق نجاة لدولة الاحتلال، وتخليصهم من الورطة التي أوجدتهم المقاومة فيها، دون جباية المكافأة المناسبة منهم، أي الصهاينة.
فصمود السعودية في وجه الضغوطات الأمريكية ورفضها للتطبيع، مستمدُّ من صمود المقاومة ومستوحى من الإنجازات العسكرية التي تمكنت تلكم المقاومة من تحقيقها ميدانيا..
إذا كنا نسجل للسعودية موقفها الإيجابي الراهن من التطبيع، فإننا نطمح في ألا تكتفي القيادة السعودية بالوقوف عند هذا الحد في مسيرتها السياسية الحالية. المسؤولية ملقاة على عاتقها، لكي تبادر إلى لجم هذا الاندفاع نحو التطبيع الحاصل من طرف بعض الدول العربية المطبعة. في متناول الرياض توظيف إمكانياتها الجبارة للعمل من أجل إقناع هذه الدول، ليس بوقف التطبيع نهائيا، فهذا مطلبٌ صعب التحقق دفعة واحدة، ولكن بمجرد التريث والتمهل في السير في مسار التطبيع بالسرعة التي يمضون فيها حاليا، إلى أن يرضخ الكيان الصهيوني للشروط العربية المتمثلة في الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والقبول بإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وأولا وقف هذه الحرب المدمرة ضد الشعب الفلسطيني..
الإقناع السعودي لهذه الدول يمكن أن يتم بالحوار وبالتفاهم، بشكل ودي، ولما فيه المصلحة العربية العليا. التطبيع العربي مع إسرائيل كان كلُّه لمصلحة الكيان الصهيوني. ليس فقط لم تجني منه الدول العربية المطبعة أي فائدة، وإنما كان وبالا عليها وعلى سمعتها، فلماذا لا تحاول القيادة السعودية إقناع هذه الدول بأنها ستساندها وتؤازرها لمواجهة كل الضغوطات التي قد تتعرض لها إن هي تريثت في تطبيعها مع الكيان الصهيوني؟ لماذا لا تشرح السعودية للدول العربية المطبعة الأسباب التي دفعتها هي شخصيا لرفض التطبيع وتستحثها على تبنيها؟؟
أمريكا والكيان الصهيوني ليسا قدرا مقدرا. فكما رفضت السعودية الانصياع لضغوطاتهم وصدّت التطبيع مع الكيان الصهيوني عنها، يمكن للدول العربية الأخرى أن تحذو حذوها. بمزيدٍ من الحوار والإقناع، يمكن تكوين موقف عربي موحد يراجع قرارات التطبيع التي اتخذتها بعض الدول العربية، مراجعة جماعية شاملة، قد تكون منذرة لأمريكا وللدولة العبرية اللقيطة، وضاغطة عليهما للاستجابة للمطالب العربية العادلة. الدور السعودي محوري لدفع العالم العربي والإسلامي للسير في هذا الاتجاه.
الظروف مواتية لهذه المراجعة في ظل النصر الذي تحققه المقاومة والهزيمة التي تتلقاها إسرائيل ومعها أمريكا في حربهما المشنة على منطقتنا العربية الإسلامية، وفي القلب منها فلسطين الغالية والعزيزة علينا جميعا. وفي ظل الضغط الشعبي الهائل الذي تتعرض له واشنطن وتل أبيب من المظاهرات التي تجتاح العواصم الغربية تنديدا بجرائهما في المنطقة. فهل ستُنجز السعودية هذه القفزة النوعية في سياستها الخارجية التي تتطلبها المصلحة العربية والإسلامية. نتمنى ذلك، لأنفسنا وللسعودية.
صحافي وكاتب مغربي
انسخ الرابط :
Copied