منذ اللحظة الأولى لإنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة بدعم غربي وتواطؤ عربي، كان مصيره محتوماً بالفشل. فهذا المشروع الاستعماري الغريب على المنطقة وشعوبها وقيمها وتقاليدها، لم يكن ليجد له مكاناً أو شرعية في هذه الأرض العربية الأصيلة.
وعلى مدار عقود من الزمن، حاول هذا الكيان فرض وجوده بالقوة العسكرية والممارسات العنصرية، معتقداً أن دعم الغرب الاستعماري سيمنحه القوة اللازمة للبقاء والاستمرار. لكن الواقع كان مختلفاً تماماً، حيث واجه هذا المشروع الصهيوني مقاومة شرسة من الشعب الفلسطيني الأصيل، ورفضاً قاطعاً من الشعوب العربية والإسلامية المحيطة.
وفي كل مرحلة من مراحل الصراع، ظهر فشل هذا المشروع الاستعماري بشكل أوضح، سواء على الصعيد العسكري حيث تكبد إسرائيل هزائم نكراء، أو على الصعيد السياسي حيث باتت معزولة إقليمياً ودولياً، أو حتى على المستوى المجتمعي حيث شهدت تصدعات داخلية وانقسامات حادة.
لكن اللحظة الفاصلة التي كشفت بشكل حاسم انهيار المشروع الصهيوني وزوال فكرة “أرض الميعاد”، كانت في أحداث اقتحام المسجد الأقصى المبارك مؤخراً. فهذا العدوان الغاشم على أولى القبلتين وثالث المساجد المقدسة في الإسلام، أثار غضب العالمين العربي والإسلامي، وأظهر زيف ادعاءات إسرائيل باحترام الحريات الدينية وحقوق الإنسان.
لقد كانت هذه الجريمة النكراء بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وألقت بظلالها السوداء على ما تبقى من مشروع صهيوني زائف في المنطقة. فالشعوب العربية والإسلامية قد انتفضت في وجه هذا العدوان، وتوحدت في رفضها للاحتلال ومقاومته بكل الوسائل المشروعة، مؤكدة تمسكها بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية.
ولعل الدليل الأكبر على انهيار المشروع الصهيوني كان في ظاهرة “الهجرة العكسية” التي اجتاحت صفوف المستوطنين الإسرائيليين. فهؤلاء الذين جُلبوا من شتى أصقاع العالم للاستيطان على أرض فلسطين، قد بدأوا الآن بالفرار منها بأعداد كبيرة، واقعين في حالة من اليأس والإحباط حيال مستقبل هذا المشروع الزائف.
هناك عدة عوامل رئيسية ساهمت في فشل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، أبرزها:
1. رفض الشعوب العربية والإسلامية لهذا المشروع الاستعماري الغريب
المشروع الصهيوني كان مشروعًا دخيلًا على المنطقة وشعوبها، لا يتوافق مع قيمها وتقاليدها وهويتها الحضارية. لذلك واجه رفضًا شعبيًا عارمًا من الشعوب العربية والإسلامية التي رأت فيه امتدادًا للاستعمار الغربي.
2. صمود الشعب الفلسطيني وتصديه للاحتلال
لعب صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته الجسام في سبيل تحرير أرضه دورًا محوريًا في إفشال المشروع الصهيوني. فالمقاومة الفلسطينية المستمرة حالت دون تثبيت أركان هذا المشروع على الأرض.
3. الهزائم العسكرية المتكررة لإسرائيل
على الرغم من الدعم الغربي والتفوق العسكري، لم تستطع إسرائيل تحقيق النصر في أي حرب خاضتها ضد الدول العربية والمقاومة الفلسطينية، مما أضعف موقفها وقوضت شرعيتها في المنطقة.
4. العزلة السياسية والدبلوماسية لإسرائيل
نتيجة لممارساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، باتت إسرائيل معزولة سياسيًا ودبلوماسيًا في المنطقة والعالم، مما حرمها من فرص الاندماج والتطبيع مع الدول العربية.
5. الانقسامات والتصدعات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي
شهد المجتمع الإسرائيلي انقسامات حادة وتصدعات داخلية بين التيارات المتطرفة واليسارية، بالإضافة إلى الهجرة العكسية للمستوطنين، مما زعزع استقرار الكيان الصهيوني.
6. ظهور قوى إقليمية جديدة تدعم القضية الفلسطينية
بروز قوى إقليمية كإيران ودعمهما المتزايد للقضية الفلسطينية، ساهم في إضعاف موقف إسرائيل وحصارها إقليميًا.
فكيف لمشروع استعماري دخيل أن ينجح في منطقة ترفضه شعوبها وقيمها وحضارتها؟ كيف له أن يبقى وهو يواجه مقاومة لا هوادة فيها من الشعب الفلسطيني العزيز وإخوانه في العالمين العربي والإسلامي؟
الحقيقة أن فشل المشروع الصهيوني كان حتمياً ومنطقياً منذ البداية، لأنه لا يمكن لأي مشروع استعماري غريب على المنطقة أن ينجح أو يرسي قواعد وجوده على أراضيها. ولهذا، فإن محاولات إسرائيل اليائسة والمتأخرة للبقاء مآلها الفشل حتماً، لأن مستقبل هذه الأرض العربية لا يمكن أن يكون إلا لشعوبها الأصيلة وأبنائها الشرفاء.