موقع المغرب العربي الإخباري :
مع توالي الحديث عن “الهدنة” المرتقبة أو الموعودة، وتضارب التصريحات والتسريبات حول كونها وقْفاً مؤقتاً أو دائماً للنار، أو وقْفاً مؤقتاً يُؤمل أن يُفضي إلى وقف دائم، أو أي صيغة ثالثة مضمرة.. لا أحد يتطرّق إلى مسألة “شمولية” هذه الهدنة.
بمعنى، هل وقف إطلاق النار يقتصر على غزّة فقط، أم أنّه وقف يشمل جميع “الساحات”، أي وقف العمليات والمداهمات والاعتقالات في الضفة، ووقف إطلاق النار المتبادل على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان، ووقف الغارات والعمليات الصهيونية والأميركية في العمق السوري والعراقي، ووقف العمليات في البحر الأحمر؟
ماذا لو تمّ إعلان الهدنة في غزّة، ثم قام الكيان الصهيوني بتوسيع عملياته في الشمال، أو شنّ الحرب التي طالما توعّد بها على لبنان؟!
وماذا لو تمّ إعلان الهدنة في غزّة، وباشر الكيان الصهيوني وأميركا وحلفاؤهما عملياتهم لـ “تأديب” ما يسمونه مصادر “التهديد والإرهاب” في الداخل السوري والعراقي؟!
وماذا لو تمّ إعلان الهدنة في غزّة، ووسّع ما يسمّى التحالف الأميركي البريطاني عملياته ضد اليمن؟!
بل ماذا لو تمّ إعلان الهدنة في غزّة، وباشرت أميركا ما أحجمت عنه لغاية الآن من ضرب إيران في الداخل الإيراني؟!
ما يستدعي طرح هذه التساؤلات مسألتان أساسيتان:
ـ الأولى: أنّ بقية الجبهات ما اندلعت في السياق الحالي إلا جرّاء ما يحدث في غزّة وحرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني هناك.. وبالتالي إذا توقف إطلاق النار في غزّة فالأصل أن يتوقف في بقية الجبهات بالتبعيّة.
ـ الثانية: وهي الأهم، أنّ الضامنون المعلنون لاتفاق الهدنة في غزّة من طرف الكيان، والضامنون له من طرف حماس والمقاومة الفلسطينية، هم على المستوى الإقليمي، يمثّلون معسكرا واحدا في مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.
بكلمات أخرى، هل اتفاق الهدنة هو فقط “مناورة” أو “تكتيك” لتخليص الكيان الصهيوني وحلفائه وداعميه مؤقتا من خاصرتهم الأضعف حاليا في الصراع، ومصدر الاستنزاف الأكبر لهم عسكريا ودعائيا، حتى يتفرّغوا ويركّزوا جهودهم ومواردهم على تصفية حساباتهم وتحقيق أهدافهم على الجبهات الأخرى؟!
في حال تحقّق هذا السيناريو فإنّ ذلك سيضع المقاومة الفلسطينية في مأزق حقيقي.
ففي حال التزام المقاومة الفلسطينية بمبدأ “وحدة الساحات”، واستئنافها إطلاق النار وقوفا مع بقية حلفائها فيما يسمّى “محور الممانعة”، ستُتهم هي بخرق الهدنة، وسيمنح هذا ضامنيها الذريعة ليكونوا في حلٍّ من أي التزامات حالية ومستقبلية، وسيمنح هذا الكيان الصهيوني “عذرا” لإطلاق يده أكثر بلا رقيب أو حسيب أو ضوابط أو روادع أو خطوط حمراء “على المكشوف”، مع تحميل “المقاومة” كامل المسؤولية إزاء ما يلحق بأهالي غزّة (الحلقة الأضعف) من تبعات بكونها هي التي تغامر وتقامر بسلامتهم ودمائهم وبقائهم.
وفي حال التزمت “المقاومة الفلسطينية” بالهدنة، ستكون هي من أخلّت بمبدأ “وحدة الساحات” وقوّضته، والذي هو للمفارقة عامل أساسي، إن لم يكن العامل الأساسي، لقوّتها وقدرتها على المواجهة والصمود من الناحية الإستراتيجية.
وربما يؤدي ذلك أيضا إلى انقسام في المواقف بين فصائل المقاومة الفلسطينية نفسها، وبالتالي تقويض عامل أساسي آخر من عوامل قوّتها، وهو وحدة الموقف السياسي والتنسيق العملياتي.
بل ربما يؤدي ذلك إلى انقسام سياسي داخل الفصيل الواحد، بين جناح سياسي يريد الالتزام بالهدنة والركون إلى اللعبة السياسية، وجناح عسكري يريد القتال والمضيّ قُدُما في خيار المواجهة.
نعم، الكيان الصهيوني حاليا غارق في رمال غزّة، ولكن الطريقة التي تستميت بها أميركا وحلفاؤها في إقرار وإمضاء اتفاق للهدنة، وما يصاحب ذلك من وعود أثبتت التجارب السابقة أنّها عرقوبية، تشي أنّ وراء المسألة ما هو أكبر من مجرد محاولة إعطاء الكيان الصهيوني مجالا للنزول عن الشجرة، وأكبر من الحرص على أرواح أهالي غزّة ومستقبلهم على ترابهم الوطني وهم الذين تُركوا من قِبَل الجميع ليواجهوا مصيرهم طوال الـ (120) يوما الماضية!
بعيدا عن التفاصيل الإجرائية للهدنة التي تنشغل وتشغلنا بها الأطراف المعنية ووسائل الإعلام، فإنّ أيّ اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يتم في إطار “وحدة الساحات”، وإلاّ فإنّ المقاومة الفلسطينية قد تجد نفسها من حيث تدري ولا تدري قد علقتْ في “فخّ” يسلبها كلّ الزخم والإنجازات والتضحيات التي راكمتها منذ إنطلاق “طوفان الأقصى”.
والبديل الآخر أن يُتمّ بقية حلفاء المقاومة “معروفهم”، وأن يتفهّموا حرج موقفها، وأن يعفوها بتفاهم من الباطن ولو مؤقّتا من استحقاقات “وحدة الساحات”، ولا يُفسحوا للمُرجِفين فرصة للتصيّد في الماء العكر، مانحين أهالي غزّة فرصة وفسحة لالتقاط أنفاسهم، سيما أنّ فكرة النُصرة تتمحور حولهم ومن أجلهم، وسيما أنّهم “الحاضنة الشعبية” مصدر القوّة والصمود التي يمثّل استنزافها استنزافا للمقاومة نفسها.
انسخ الرابط :
Copied