موقع المغرب العربي الإخباري :
الكذب والكذب والمزيد من الكذب؛ هذه كانت سياسة العدو منذ اليوم الأول لحرب الإبادة والتهجير الصهيو ـ أمريكيّة المُمنهجة التي أعقبت انطلاق معركة “طوفان الأقصى” على يد أبطال المقاومة الفلسطينيّة.
المشكلة الآن أنّ الكيان يحاول استغلال الخروقات الأمنيّة الثلاثة المتعاقبة التي استطاع تحقيقها، تفجيرات (البيجر) و(الووكي توكي) واغتيال قيادات الرضوان، من أجل إضفاء مصداقيّة على الأكاذيب التي شرع بترويجها بشكل حثيث منذ أن قرّر نقل ثقل العمليات العسكريّة إلى الجبهة الشماليّة على حدّ تعبيره.
من جملة هذه الأكاذيب التي يبثّها الكيان، وتتلقّفها وسائل الإعلام للأسف كما هي وتعيد نشرها وتداولها على عواهلها، مزاعم الكيان بأنّه قد نجح في قصف آلاف منصات إطلاق الصواريخ في جنوب لبنان عبر الغارات المكثّفة التي قامت طائراته بشنّها خلال الـ (48) ساعة الماضية.
مثل هذا الخبر على قصره، ومثل هذا الرقم المهول، يهدفان إلى إحداث الآثار التالية:
ـ أولاً: خلق انطباع بأنّ الكيان الصهيونيّ لديه معرفة كاملة بجميع مواقع وتحصينات واستحكامات “حزب الله” في الجنوب اللبنانيّ (كيف لا وهو الذي استطاع اختراق منظومة اتصالات الحزب)، وأنّه يقرؤها ككتاب مفتوح، وأنّه قادر على استهدافها والقضاء عليها في غمضة عين.
ـ ثانياً: بثّ روح الهزيمة واليأس والقنوط بين الناس بأنّ “حزب الله” يفقد قدراته ومقوّماته ومقدّراته بوتيرة متسارعة، وأنّ المسألة لن تأخذ أكثر من “غلوة قهوة” قبل أن يتهاوى الحزب ويجد نفسه مهزوماً وعاجزاً عن إيذاء ولو جناح بعوضة.
ـ ثالثاً، وهو الأهم، وكحصيلة للنقطتين السابقتين، ابتزاز “حزب الله” من أجل التخلّي عن حكمته وحنكته وتوازنه في إدارة المعركة، والإقدام على ردّ فعل متسرّع يوازي الهجمات والمزاعم الصهيونيّة لكي يثبتَ لأنصاره وجماهيره أنّه ما يزال بخير، وأنّه يحتفظ بقوته وشكيمته، ومن ثمّ جرّه من حيث لا يشعر للدخول في مواجهة مفتوحة، تمهيداً لمزيد من خلط الأوراق، وتوريط الجميع في حرب إقليميّة، وهو أسّ ما يصبو إليه ويتمناه “نتنياهو” وعصابة حربه للخروج من مأزقهم، والتنصّل من عجزهم عن تحقيق أيّ من أهداف الحرب، سواء الأهداف المُعلَنة: إعادة الأسرى في غزّة، والقضاء على قدرات فصائل المقاومة وتحييد خطرها في المستقبل، وإعادة المستوطنين في غلاف غزّة والشمال إلى مستوطناتهم. أو الأهداف المُضمَرة: إعادة احتلال قطاع غزّة والضفّة وضمّهما، وتهجير الفلسطينيين (بما في ذلك فلسطينيّي الـ 48)، واختلاق ذريعة وظروف مواتية من أجل استهداف المنشآت النوّوية الإيرانيّة وتدميرها قبل أن تتمكن إيران من تصنيع قنبلتها النوويّة الأولى.
ومع هذا فإنّ إصرار الكيان على دقّ طبول الحرب، وحشرها حشراً في أنف “حزب الله” (والجميع)، وابتزازه إعلاميّاً ودعائيّاً في سبيل ذلك، ورغم الغطرسة والبلطجة الظاهريّة.. كلّ هذا يوحي بيأس الذي يشعر بالخِناق يضيق حول عنقه، أو بالذي يوشك على الغرق و”بلاطش ملاطشة”!
وطبعاً التكتيك الحصيف في مثل هذه الحالة من طرف “حزب الله” هو أن يحتفظ بالوتيرة والإيقاع اللذين يريدهما للمواجهة، وأن يصعّد في الحدود التي يريدها هو، وبما يحافظ على ثيمة الاستنزاف والنَفَس الطويل وتركيز الجهد وانتقاء الأهداف بعنايّة التي أتّبعها وأرساها منذ اليوم الأول.. وألّا يسمح للعدو بأن يستدرجه ويفرض عليه الوتيرة والإيقاع اللذين يريدهما للمواجهة!
المفارقة فيما تقدّم أنّ هناك مَن ما يزالون يصرّون على تصديق الكيان فقط لأنّهم يريدون أن يصدّقوه، ورغم معرفتهم بأنّه كاذب ومخادع وأفّاق، ومن جملة كذبه إصراره على إخفاء خسائره البشريّة والمادية الحقيقيّة وإنكاره لها..
وفي المقابل يصرّ هؤلاء على تكذيب “حزب الله” ومجمل فصائل المقاومة مع أنّهم يثبتون كلّ مرّة أنّهم صادقون، سواء في اعترافهم بالخسائر والانتكاسات التي يتعرّضون لها في حدود ما تسمح به طبيعة المواجهة، أو فيما يعطونه من معلومات وحيثيات حول مجريات الأحداث، أو فيما يقطعونه على أنفسهم من عهود والتزامات وآخرها التزام السيد “حسن نصر الله” بأنّ جبهة الشمال لن تتوقّف تحت أي ظرف من الظروف ما لم يتم التوصّل إلى اتفاق في غزّة ترتضيه المقاومة الفلسطينية ويلبّي شروطها.
والمدهش أيضاً في عشّاق الكيان الصهيونيّ هؤلاء، أو الذين أُشربوا الكيان في قلوبهم، أو الذين مُلئوا منه رعباً.. إصرارهم على تجاهل وإغفال ثلاث حقائق أساسيّة:
ـ الأولى: لولا أنّ جبهة الإسناد التي يفتحها ويديرها “حزب الله” تؤذي العدو الصهيونيّ حقّاً، وتستنزفه حقّاً، وتحول بينه وبين تحقيق أهدافه، وتشكلّ عاملاً حاسماً في ردعه وهزيمته.. لما كان الكيان معنيّاً بكلّ هذا التصعيد على الجبهة اللبنانيّة بينما هو متورط وغارق وعالق في جبهتي غزّة والضفّة.
ـ الثانية: لو أنّ “حزب الله” يريد أن يلفّ ويدور ويسمسر ويكيّش على حساب بقية فصائل المقاومة ووحدة الساحات.. فإنّ الحزب قد كان على مدار الأحد عشر شهراً الماضية في موقف تفاوضيّ يخوّله الحصول على مغريات ومكتسبات مهولة لا تحلم بالحصول على معشارها دول وأنظمة التخاذل والتواطؤ والانسحاق العربي التي ينتمي إليها كارهو الحزب!
ـ الثالثة: أنّ الكيان الصهيونيّ قد تخلّى عن بعبعاته وجعجعاته في بداية الحرب بأنّه سيُعيد لبنان إلى العصر الحجريّ، وبأنّه سيقضي على قدرات “حزب الله”، وسيجبره على التراجع إلى ما وراء “نهر الليطاني”.. وأصبح هدف الكيان المُعلن في الشمال إعادة سكانه إليه فقط، أي العودة إلى “نقطة الصفر” التي كان الوضع عليها قبل الحرب، وفي هذا الهدف رشوة مُضمرة لحزب الله: “فقط امنحونا هذا الهدف المتواضع وسنوقف الحرب والاستهدافات من طرفنا”.. وهذا مرّة أخرى مؤشّر على حجم ورطة الكيان وأزمته رغم غطرسته وبلطجته الظاهريّة وسيل أكاذيبه الذي لا ينقطع!
كاتب اردني
انسخ الرابط :
Copied