موقع المغرب العربي الإخباري :
عقب التفجيرات التي طالت البيجرات، والقصف الذي نال الضاحية الجنوبية لبيروت وذهب ضحايا لها قادة بارزون وأعضاء من حزب الله، تسود في بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، حالة من التشفي والشماتة في حزب الله، قيادة وقاعدة.
الذين يشمتون ويتشفون لا يخفون ابتهاجهم لما تعرض له الحزب. إنهم يعبرون عن سرورهم بالخسائر التي تكبدتها المقاومة، بطرق مستترة أحيانا، وعلنية ومكشوفة أحيانا أخرى، ويتبارى البعض منهم في تقديم دروس الوعظ والإرشاد للحزب، بطريقة فوقية ومتعالية. وليس المقصود بهذا الحديث الكتاب والإعلاميين والسياسيين المتعاطفين مع المقاومة والمنخرطين في فعلها بصيغ مختلفة، فهؤلاء دوافعهم، في إبداء ملاحظاتهم النقدية عن أداء المقاومة، تكون هي سدُّ الثغرات التي ينزلق منها العدو، وتجويد الأداء، لجعله أكثر فعالية وأعلى مردودية.
الذين يقع التشفي والشماتة فيهم اختاروا الانخراط في القتال إلى جانب أشقائهم الفلسطينيين وقرروا إسنادهم في معركتهم التحررية، لم يفضلوا الانكفاء على ذواتهم، والجلوس فوق أبراجهم العاجية وعدم الالتفات لما يجري من حولهم، والاكتفاء بالتفرج فيما يقع، وكأنهم خشب مسندة. كان خيارُهم خيارا صعبا ومكلفا، ولكنه خيارٌ أخلاقي رفيع، وسياسي يضع مصلحة فلسطين والأمة فوق كل المصالح الفئوية والوطنجية الضيقة. فما هو بالمقابل خيار الشامتين الذين يمارسون التشفي الجبان؟ لماذا لا يكشفونه لنا حتى نقارن بين الخيارين ومن هو الأفضل فيهما؟؟؟
منذ عقود ووسائل الإعلام العربية والغربية تضخ في ذهن العقل العربي مقولة أن مصلحة الوطن فوق المصالح الإقليمية أو القومية، وصارت كل دولة عربية ترفع شعار: الوطن أولا. وهذا الشعار، مقولةُ حقٍّ يراد بها باطل، فلا أحد من العرب يقبل أن تكون مصلحة وطنه في الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، المواطنون العرب يريدون أن تكون فعلا مصلحة أوطانهم في المرتبة الأولى.
لكن الواضح من خلال الممارسة والنتائج، أن الغاية الفعلية من رفع شعار الوطن أولا، كانت هي التخلي عن القضية الفلسطينية، والكف عن جعلها هما وطنيا، وهجرها كليا، وحتى تبخيس رأي كل من يفكر ويهتم بها، وتبغيض الجمهور العربي فيها، بغرض الاقتراب من الكيان الصهيوني، مقدمةً للتطبيع معه، طمعا في الوصول إلى قلب الإدارة الأمريكية.
المقاومة سواء في لبنان أو اليمن السعيد أو في العراق رفضت هذه المقولة ورمتها جانبا، ورفعت بدلا عنها شعار، وحدة الساحات لإسناد المقاومة في غزة. لقد جعلت المقاومة من نصرة القضية الفلسطينية معْبرا لتحقيق المصلحة الوطنية، فالعدو الذي يقترف المجازر والإبادة الجماعية في الشعب الفلسطيني، إذا ما قُيض له، لا قدر الله، النجاح في الوصول إلى كافة أهدافه في فلسطين وعلى رأسها غزة، سيتفرغ للقيام بذات الشيء في كل دولة عربية تحاول الوقوف في وجهه، لمنعه من تسيُّدِ المنطقة وفرض سيطرته المطلقة عليها.
العدو الصهيوني يعتبر هذه الحرب حربا وجودية بالنسبة له، إنه يخوضها وتقف معه في الميدان أمريكا وأوروبا، وتضع رهن إشارته كل إمكانياتها العسكرية والاستخباراتية والمالية والسياسية، وتريد له تحقيق النصر المطلق الذي قد يشكل مدخلا لفرض الهيمنة الغربية على المنطقة، والمقاومة التي تواجهه تعلم أنها تخوض حربا ضروسا ضد عدوٍّ شرس، ستتكبد نتيجة لذلك خسائر بشرية، وستتعرض بيئتها للضرر وللتدمير، ولكن هدف المقاومة هو إفشال مخططات العدو وإحباط أهدافه.
حين تقصف المقاومة العدو بالمسيرات والصواريخ وتدك معاقله العسكرية، فإن نصرها يتجلى في منعه من تحرير أسراه، وإعادة نازحيه، والقضاء المبرم على المقاومة. وفي الإجهاز على هذه الأهداف ومنع تحقُّقها، نصرٌ للمقاومة الفلسطينية، ودفاعٌ استباقي عن مصلحة كل وطن عربي على حدة.
المقاومة تدافع في هذه الحرب عن حاضر ومستقبل الأمة العربية برمتها، حتى لا تتم مصادرتهما من طرف الامبريالية العالمية بواسطة الصهيونية. العدو الصهيوني ليس إلا واجهة لحرب أمريكية غربية تخاض ضد تطلعات الأمة العربية، وتخاض من أجل تأبيد تبعيتها وخضوعها للماما أمريكا، ومن ورائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا..
هذه مقاومة شريفة ونزيهة، وتقدم أغلى ما لديها من أبنائها، شهداء وجرحى في الميدان دفاعا عن فلسطين وعن الكرامة العربية. لقد أحييت المقاومة المبدأ الأخلاقي المتمثل في وجوب التضامن العربي ضد الأخطار المحدقة بكل قطر عربي، وجعلت منه قيمة أخلاقية نبيلة تتمسك بها وتترجمها إلى فعلٍ في الممارسة. ولم تقبل المقاومة العروض المغرية المقدمة إليها للتخلي عن الشعب الفلسطيني، وللحصول على مكاسب فئوية ضيقة، وقررت الانخراط في القتال إلى جانبه حتى لا تستفرد به الآلة الصهيونية فتكا وقتلا وتدميرا..
ولعل الكابوس الذي يزعج الغرب ويرعبه، هو العمل من أجل إحياء مبدأ التضامن العربي للنضال نصرة للقضية الفلسطينية. فالتضامن العربي قد يلحقه تضامن إسلامي، ومن دول عالم الجنوب، لمواجهة أمريكا ومخططاتها التوسعية والإجرامية في الكرة الأرضية، هذا التضامن المنشود تجسده حاليا المقاومة اللبنانية واليمنية والعراقية في إسناد شقيقتها الفلسطينية، ويعتبر التضامن العربي، بالنسبة للغرب وللكيان الصهيوني من المحرمات التي لا يمكن القبول بالسماح بعودتها، ويشكل هذا التضامن المرتجى خطرا محتملا قد يعرقل تحقيق المرامي والأهداف الغربية…
الذي، من العرب والأمازيغ والأكراد.. يسخر أو يشمت أو يتشفى، في مقاومة هذه أهدافها، وهذه تضحياتها، لا يمكن أن يكون إلا وضيعا وحقيرا وخسيسا، بل يجوز القول، إنه خائن لأمته، وعميل لدى الكيان الصهيوني، سواء بمقابل، وهذه هي الطامة، أو أنه عميل بتصرفاته، وبلا تعويض ودون مقابل، وهنا الطامة الكبرى، لأننا أمام إنسان جاهل، وكما يقول المثل: يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه…
هامش لا علاقة له بما سبق: على غرار الحملة الدعائية التي كانت قد انطلقت ضد اللاعب المغربي زكريا بوخلال بسبب تديُّنه البين، وزي زوجته الإسلامي، والتي توقفت فجأة، على ما يبدو، بأوامر ملكية، فإن اللاعب حكيم زياش معرَّضٌ هو أيضا ليكون موضوعا لحملة دعائية شرسة ضده، بسبب تصريحه الذي عبَّر فيه عن إدانته للجرائم الصهيونية وتعاطفه مع الشعب الفلسطيني. جماعة كلنا إسرائيليون في المغرب ستسعى للتنغيص على زياش، وستعمل من أجل أن يدفع الثمن غاليا نتيجة لهذا التصريح، والوحيد الذي يمكن له تجنيبه هذا المصير، هو العاهل المغربي بإعطاء أوامره لتوفير الحماية لهذا اللاعب الموهوب الذي قدم الكثير لسمعة الوطن ولفائدة كرة القدم المغربية….
صحافي وكاتب مغربي
انسخ الرابط :
Copied