موقع المغرب العربي الإخباري :
لماذا لا يريد العرب الأمريكيون التصويت لصالح كمالا هاريس؟
عندما كان جو بايدن ما زال في السباق الرئاسي عن الحزب الديمقراطي منافساً للجمهوري دونالد ترامب اتخذ الأمريكيون العرب موقفاً مبدئياً يقضي بعدم الالتزام بالتصويت لصالح بايدن بسبب مواقفه الممالئة لإسرائيل والداعمة لها بشكل غير مسبوق وكذلك بسبب رفض بايدن الاعتراف بأن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة هي إبادة جماعية ، إضافة إلى سلسلة من الأسباب الأخرى كالغطاء السياسي والدبلوماسي بما في ذلك استعمال الفيتو في مجلس الأمن ثلاث مرات ضد مشاريع قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة ومن أجل تعزيز هذا الموقف قام الناشطون العرب في ولاية ميتشيغان بتأسيس حركة uncommitted movement “غير ملتزمين”. ولكن بعد أن اقتنع بايدن بأنه لم يعد يصلح لفترة رئاسية ثانية وسلم الراية لنائبته كمالا هاريس ، خفضت حركة “غير ملتزمين” من موقفها بعض الشيء بغية منح كمالا هاريس فرصةً لإبداء موقف أكثر اعتدالاً وأكثر توازناً من موقف بايدن إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة ، شجعهم في ذلك عدم حضور كمالا لخطاب نتنياهو في الكونغرس ، وموقفها المعتدل نسبياً من احتجاجات طلاب الجامعات لوقف الحرب على غزة ، إضافة إلى إبداء تعاطفها مع الضحايا الفلسطينين لحرب إسرائيل على غزة ودعوتها إلى تخفيف معاناتهم .
الاختبار الحقيقي لموقف كمالا هاريس جاء عندما طلبت حركة “غير ملتزمين” منح الفرصة لمتحدث أمريكي من أصل فلسطيني لمخاطبة المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الذي أنهى أعماله أمس . وكانت الحركة تنوي تكليف الدكتورة تانيا الحاج حسن وهي طبيبة أطفال عملت في غزة مع “أطباء بلا حدود” وشاهدت المآسي التي تعرض لها أطفال القطاع ، ولكن القائمين على تنظيم المؤتمر رفضوا ذلك رغم أنهم منحوا الفرصة لمتحدثين من عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية بالتحدث أمام المؤتمر . وعليه فقد اعتصم ناشطون من الحركة أمام مقر المؤتمر ، ولم يوقفوا اعتصامهم وكذلك قررت حركةٌ أخرى تدعى مسلمات من أجل كمالا هاريس حل نفسها احتجاجاً على ذلك . ولم تتوقف المظاهرات والاحتجاجات في شيكاغو رغم أن هاريس في خطابها لقبول ترشيح الحزب لها قد أكدت على ضرورة إنهاء معاناة الفلسطينيين ومنحهم حق تقرير المصير. لكنها أكدت أيضاً وبقوة على التزامها بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ومنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر عليها حسب قولها .
لماذا ندعو إلى التصويت لصالح كمالا هاريس ؟
مهما كانت مساويء كمالا هاريس فهي أهون الشرين لأن البديل هو دونالد ترامب ، إذ لا تستطيع كمالا أن تفعل لإسرائيل في أربع سنوات ما يمكن أن يفعله ترامب في أربع دقائق . ولا يجب أن ننسى أن بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة ينتظرون فوز ترامب بفارغ الصبر لكي يصادق الأخير على ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل . فقد رشحت أخبار شبه مؤكدة أن ترامب قد عقد اتفاقاً مع السيدة مريام أديلسون ، أرملة الملياردير شيلدون أدينسون الذي بنى ثروته من كازينوهات القمار في لاس فيجاس ، بوساطة لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) ، تساهم بموجبها أديلسون في حملة ترامب الانتخابية بأكثر من مائة مليون دولار مقابل موافقته على ضم الضفة الغربية وقطاع غزة لإسرائيل إذا فاز في الرئاسة . لا ننسى أيضاً أن ترامب يريد أن يوسع مساحة إسرائيل كما أعلن قبل عدة أيام وذلك على حساب الدول العربية المجاورة . لقد قالها وسيفعلها إذا فاز بالرئاسة .
عندما تصوتون أيها العرب الأمريكيون لكمالا هاريس اعتبروا أنكم تصوتون ضد ترامب ، وإذا امتنعتم عن التصويت لكمالا هاريس فكأنكم تصوتون لصالح ترامب . نعم ، لا بأس من إسماع كمالا هاريس صوتكم عالياً مجلجلاً ، ولا بأس من الاحتجاجات ضد تغاضيها عن ذكر الإبادة الجماعية أو تغاضيها عن الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة عن طريق وقف تزويدها بالأسلحة ، لكن التصويت لصالح ترامب أو الامتناع عن التصويت لصالح هاريس هو تصويت لصالح تصفية القضية الفلسطينية . فقد حاول ترامب خلال رئاسته الأولى تصفية قضية فلسطين عن طريق ما سمي بصفقة القرن وسيحاول مجدداً إذا فاز هذه المرة بترتيب صفقة أفظع وأكثر إيلاماً وأشد قسوةً من صفقة القرن .
لست معنياً بالدعاية لكمالا هاريس ، وبالنسبة لي هاريس وترامب سيئان، وأحلاهما مر كما يقال ، وقد كتبت مقالاً مؤخراً في هذه الصحيفة بهذا المعنى عندما كان بايدن هو المرشح الديمقراطي ، قلت فيه أن “الخل أخو الخردل” كما يقول المثل الشعبي العربي ، وأنا لست مواطناً أمريكياً ولا مصلحة شخصية لي في دعم هاريس أو غير هاريس . ولكن مصلحتنا القومية كعرب والمصلحة الفلسطينية في إفشال كل ما يحاك ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من مؤامرات أن لا يصل ترامب إلى البيت الأبيض ، لأن ما يمكن أن يخربه لا أحد بعده يستطيع إصلاحه ، حتى لو فاز رئيس من أصل عربي فلسطيني بالرئاسة . الدليل على ذلك أن ما فعله ترامب في فترة رئاسته الأولى من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل لم يستطع ، وربما لم يشأ ، بايدن أن يصححه ولا أحد يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء أو يصلح ما يمكن أن يفسده ترامب. والله من وراء القصد .
باحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية
انسخ الرابط :
Copied