إن متابعة قمة مجموعة البريكس من خلال عيون الأمين العام للأمم المتحدة والمسؤولين الغربيين سوف يخبرك بالكثير عن الأسباب التي أوصلت العالم إلى وضعه الحالي.
أكثر ما أثار فضولي في قمة “البريكس”، بالإضافة إلى المتابعة الدقيقة لمضمون الخطابات، بالطبع، كانت لغة جسد السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، معروف بمواقفه المتزنة وشخصيته الهادئة.
وتساءلت عن مشاعره وهو يشهد حدثا يترجم بالأفعال والأقوال فشل الأمم المتحدة في أن تكون منبرا حقيقيا ومتوازنا لجميع الدول، وفشل مجلس الأمن في تمثيل الحفاظ على الاستقرار في المجتمع الدولي. الصراعات. نعلم جميعا أن الأمين العام للأمم المتحدة لا يملك مفاتيح القرارات، لكن لا شك أنه شعر بالحزن، لعلمه أن كل ما تفعله “البريكس” ورؤيتها وتطلعاتها، ينبع من انحياز النظام الدولي الذي تأسس بعد العالم. الحرب الثانية التي كان من المفترض أن تحقق العدالة وتحل المشاكل وتلعب دوراً في ضمان الأمن والسلام في العالم.
كما كان خطاب غوتيريش معبرا عن هذه الحاجة عندما أشار إلى تفكك النظام الاقتصادي العالمي، قائلا “إن عالما مجزأ لا يمكنه أن يتحمل أنظمة اقتصادية مجزأة وسط فوارق كبيرة في اقتصادات الدول”. وأكد أن “الدول الإفريقية تدفع أقساط ديونها تتجاوز 40 ضعفا ما تدفعه الولايات المتحدة (أكبر مدينة في العالم بأكثر من 33 تريليون دولار)، لافتا إلى أن الصناعة الغربية تقوم على نهب الثروات المعدنية للقارة الإفريقية في العالم”. أرخص الأسعار.
وبينما كنت أتابع القمة، تساءلت عن أفكار الساسة الغربيين الذين لجأوا خلال العقدين الماضيين إلى ممارسة أبشع أشكال العقوبات غير القانونية وغير الأخلاقية ضد الدول. لقد حولوا الحروب والاحتلال إلى عقيدة واستراتيجية، حتى أنهم يناقشون القواعد ويطالبون بالامتثال لها دون الكشف عن هوية هذه القواعد وأهدافها. فكيف سيواجهون هذا التسارع والطلب المتزايد للانضمام إلى كتلة دولية تمثل الآن، مع انضمام ستة بلدان إليها مؤخرا، 29% من الاقتصاد العالمي وما يقرب من نصف سكان العالم (46% من سكان العالم) و32% من سكان العالم؟ من مساحة اليابسة في العالم؟
والحقيقة أن القمة أثبتت أن النظام القائم ليس نظاماً عالمياً، بل هو نظام غربي لا يمثل إلا مصالح الدول الغربية. إن اندفاع دول الجنوب للانضمام إلى مجموعة البريكس يشكل إشارة واضحة إلى اقتناع كبير بأن النظام الحالي لا يعمل لصالح “الأغلبية العالمية”.
وفي هذا السياق، تكشف تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان حول القمة عقليتهم، حيث قال إن بلاده “لا تتوقع تحول مجموعة البريكس إلى منافس جيوسياسي لنفسها أو لأي دولة أخرى”، وأضاف: “هذا هي مجموعة متنوعة من الدول ذات وجهات نظر مختلفة حول القضايا الحاسمة.” وقد حاول المسؤولون الأميركيون التقليل من أهمية مجموعة البريكس كقوة عالمية، من وجهة نظرهم، لأنها تضم مجموعة شديدة التنوع من البلدان، بما في ذلك الأصدقاء والمنافسين. ولعل الدرس الأكثر أهمية الذي ينبغي للكتلة الغربية أن تتعلمه من دول الجنوب هو أن التنوع يمثل ميزة إنسانية وثقافية وواعدة لأداء أفضل. ولهذا السبب تقدمت أكثر من عشرين دولة بطلب الانضمام إلى هذه المنظمة، الأمر الذي يعبر عن حاجة ملموسة للعديد من الدول والسكان حول العالم.
وفي تهنئة الأعضاء الستة الجدد (مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإثيوبيا والأرجنتين وإيران) الذين انضموا إلى مجموعة البريكس في جنوب أفريقيا، وعد الرئيس فلاديمير بوتين المتقدمين المهتمين الآخرين بفرصة الانضمام إلى القمة المقبلة، التي تستضيفها روسيا المقبل. سنة. ولتحقيق ذلك، أكد وزير خارجية جنوب أفريقيا أن مجموعة البريكس اعتمدت وثيقة تحدد الأدلة والمبادئ التوجيهية لتوسيعها.
مما لا شك فيه أن انعقاد قمة البريكس في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا (22 – 25 أغسطس 2023)، وما نتج عنها من أفكار ورؤى وقرارات، حيث بدأت أعمالها بخمسة أعضاء وانتهت بأحد عشر، يمثل علامة فارقة. الحدث العالمي الأهم في القرن الحادي والعشرين. لقد أرست الأسس السياسية والقانونية والأخلاقية والاقتصادية لإعادة هيكلة النظام العالمي الذي سيطر عليه الغرب واستخدمه كأداة لاحتلال البلدان وقمع الشعوب. وتهدف هذه القمة إلى إعادة هذا النظام إلى هدفه الأصلي، وإرساء مبادئ حقيقية للتعاون والتشاور لتعزيز الأمن والسلام في العالم. ويأتي ذلك رداً على العجز الواضح للأنظمة القائمة، بما في ذلك مجلس الأمن، عن حل المشاكل وضمان التنمية والاستقرار في جميع أنحاء العالم، بعد الولايات المتحدة.لقد شل القرار المستقل للعديد من الحكومات من خلال الاختراق الاستخباراتي والتهديدات والابتزاز والإرهاب.
وفي الوقت الذي أكد فيه الزعيم الصيني شي جين بينغ على الالتزام بالتنمية السلمية وتعزيز الشراكات الاستراتيجية بين الدول، والعمل على تعزيز السلام والاستقرار في العالم، أكد الزعيم البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا أن مجموعة البريكس تسعى إلى تحقيق عالم أكثر عدلا، لأن العالم الأحادي القطب الحالي يهدد التنوع والتعددية. وأضاف دا سيلفا أن العالم يعاني من الركود الاقتصادي ويفتقر إلى الأمن الغذائي.
وكان واضحاً أن الجميع يسعى جاهداً لوضع حد للنهج الأحادي القطب، الذي لم ينتج عنه إلا حروب قمعية، وزعزعة الاستقرار، وإفقار الشعوب. اعتمد هذا النهج على الإملاءات والتحذيرات والعقوبات والابتزاز ونهب ثروات الدول، ومحاولة فرض معايير غامضة تخدم مصالح مجموعة صغيرة في العالم، على حساب عدد أكبر بكثير من الدول في جميع أنحاء العالم. . وبالفعل كان هناك توجه هادئ وواقعي نحو الابتعاد تدريجياً عن الدولار في المعاملات المالية واعتماد العملات المحلية بدلاً منه، كما ذكر الرئيس بوتين. إنها بلا شك عملية صعبة، ولكنها ليست مستحيلة.
وبينما كنت أتابع وقائع وأفكار قمة البريكس، تذكرت التحديات الهائلة التي كان على الدول الأوروبية أن تواجهها وتتغلب عليها قبل التوصل إلى منهجية ورؤية ومعرفة وعملة موحدة. لقد اعتاد الأوروبيون أن يوقفوا عقارب الساعة ويخوضوا مناقشات مطولة في لقاءات مفتوحة، ويستغرق الأمر سنوات عديدة لإرساء أسس المؤسسة الأوروبية.
لا شك أن تطور مجموعة البريكس وفعاليتها المتزايدة على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية، إلى جانب توسعها لتشمل نسباً أعلى من سكان العالم واقتصاداته، سوف يستغرق بضع سنوات. لكن القطار خرج من المحطة بالتأكيد، ومع الإصرار والحماس والشغف الذي شهدناه من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لا شك أن هذا القطار سيواصل مسيرته حتى يصل إلى وجهته النهائية. وحينها سيشهد العالم نهاية النظام الذي انبثق عن الحرب العالمية الثانية، ثم أفرغته الهيمنة الأحادية القطب من محتواه. وسيشهد أبناؤنا وأحفادنا عالما جديدا، وسيتساءلون عن العوامل التي أجبرت أسلافهم على تحمل كل ما فرضته الهيمنة الغربية على الشعوب والقرون.
بل إن الأمل يكمن في طرح الأسئلة حول أسباب الحروب واحتلال الأراضي والمجازر، وفي إعادة كتابة التاريخ والأحداث من منظور إنساني عادل يضع الأمور في سياقها الصحيح. بل يتعلق الأمر بوضع البلدان في المكان الذي تنتمي إليه بحق، بعيداً عن التشوهات الإعلامية التي غالباً ما تحاول التضليل بدلاً من الإعلام.
وفي سياق حدث “البريكس”، شعرت أن الحفاظ على الوضع الراهن أصبح صعبا على نحو متزايد، ومن المؤكد أنك تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. وهذا ينطبق على الغطرسة والعنصرية والهيمنة الغربية التي أصبحت واضحة للعالم. إن السبيل الوحيد للمضي قدما هو اعتماد وتطوير الأسس اللازمة لإنهاء هذه الهيمنة مرة واحدة وإلى الأبد، وتخليص البشرية من الظلم والعدوان الذي أثقل كاهلها لفترة طويلة.
الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع المغرب العربي الإخباري بل تعبر عن رأي كاتبها حصرياً.
النظام العالمي المتعدد الأقطاب
البريكس
الأمم المتحدة
الغرب الجماعي
أنطونيو جوتيريش