يشق الجزء الأكبر من الأسلحة والإمدادات العسكرية إلى أوكرانيا طريقه من حدود بولندا، حيث ينقلها حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة الأميركية. وعند هذه النقطة تحديداً تنتهي الرقابة الأميركية.
الفيلم الوثائقي “تسليح أوكرانيا” (Arming Ukraine) الذي نشرته قناة “CBS” الأميركية،يسلط الضوء مباشرة من داخل أوكرانيا على كيفية وصول المساعدات العسكرية، عبر الحدود، إلى الخطوط الأمامية، إلى جانب الصعوبات التي تعترض طريق إيصال المساعدات إلى المقاتلين الذين يحتاجون إليها.
وينقل التقرير عن، جوناس أومان، المؤسّس والرئيس التنفيذي لمنظمة” أزرق أصفر” (Blue-Yellow)، مقرّها في ليتوانيا، قوله: “كل هذه المعدات تمر عبر الحدود، ثم يحدث شيء ما. 30٪ منها فقط يصل إلى وجهته النهائية”.
ويضيف أن المنظمة التي يديرها “تجتمع مع وحدات الخطوط الأمامية وتزودها بالمساعدات العسكرية في أوكرانيا منذ بدء الحرب مع الروس عام 2014”.
ويؤكد أومان، بحسب “CBS” بشأن نتائج الدعم الغربي لكييف، أن مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي ترسلها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا لا تصل إلى متلقيها، موضحاً أن نحو “40% فقط من هذه المساعدات تصل إلى وجهتها النهائية، هذا هو تقديري”.
وكانت الولايات المتحدة قد تعهّدت بتقديم أكثر من 23 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، منذ بداية الحرب في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، وفقاً لمعهد “كيل” للاقتصاد العالمي، بينما التزمت عدة دول بتقديم الدعم، أبرزها بريطانيا بقيمة 3.7 مليارات دولار، وألمانيا 1.4 مليار دولار، وبولندا 1.8 مليار دولار، وحذت حذوها عدة دول أخرى.
وقد أدّى تغيّر الخطوط الأمامية باستمرار في أوكرانيا، وانخراط قوات تطوعية وأخرى شبه عسكرية في المعركة، إلى جعل تسليم المساعدات العسكرية صعباً على أولئك الذين يحاولون التنقل عبر خطوط الإمداد الخطرة، وبالتالي الوصول إلى وجهتهم.
كما أثارت مصادر، بحسب التحقيق، تخوّفها بشأن تحويل الأسلحة إلى السوق السوداء، التي ازدهرت من جرّاء الفساد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن أومان يعتمد إلى حدّ كبير على قنوات غير رسمية من أجل أن توصل المنظمة التي يرأسها الإمدادات إلى أوكرانيا، بينها مناظير الرؤية الليلية، والأجهزة اللاسلكية، ودروع وخوذ عسكرية، إضافة إلى طائرات من دون طيار متطورة، التي باتت “عيون أساسية في السماء لاختراق الجمود في ساحة المعركة”.
ويضيف أومان أن وضع منظمته، باعتبار أنها منظمة غير حكومية، لا يسمح له بتسليم “أسلحة فتاكة”، كما يفعل “أباطرة السلطة والأوليغارشية واللاعبون السياسيون”، بحسب تعبيره.
من جهة أخرى، كشفت “CBS” دور مجموعة “موزارت”، التي أسَّسها العقيد المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية الذي خدم في العراق والصومال، آندي ميلبورن، في تدريب الجنود الأوكرانيين في الخطوط الأمامية، وأيضاً عن سفره إلى أوكرانيا بعد بدء الحرب، ومساهمته في إنشاء قاعدة في العاصمة كييف.
ويقول ميلبورن: “إذا كنت توفر الإمدادات، أو خط أنابيب للخدمات اللوجستية، يجب أن يكون هناك بعض التنظيم لهذه العملية، أليس كذلك؟ وإذا كانت القدرة التي ترغب في المشاركة فيها تتوقف عند الحدود الأوكرانية، فإن المفاجأة ليست في عدم وصولها. كل هذه الأشياء لن تصل إلى حيث يجب أن تذهب، المفاجأة هي أن الناس توقعوا ذلك بالفعل”.
وأضاف: “إذا كانت سياسة الولايات المتحدة هي دعم أوكرانيا في الدفاع عن بلدها ضد الاتحاد الروسي، فلا يمكنك الذهاب في منتصف الطريق. أفهم أن القوات الأميركية لا تريد أن تقاتل الروس. وأفهم أن القوات الأميركية لن تعبر الحدود، ولكن لماذا لا نضع على الأقل أشخاصاً للإشراف على البلاد؟ يمكن أن يكونوا مدنيين لضمان حدوث الأشياء الصحيحة”، يعقّب ميلبورن.
يذكر أنه في شهر يوليو/تموز الماضي، قالت بوني دينيس جينكينز، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الحدّ من التسلح والأمن الدولي، إن “احتمال تحويل الأسلحة بشكل غير مشروع هو من بين مجموعة من الاعتبارات السياسية والعسكرية وحقوق الإنسان”، وأضافت: “نحن واثقون من التزام الحكومة الأوكرانية بحماية معدات الدفاع الأميركية المنشأ وحسابها بشكل مناسب”.
وكانت أوكرانيا قد أنشأت لجنة خاصة مؤقتة لتتبّع تدفّق الأسلحة داخل البلد، ولكن مع ذلك، يقول خبراء الأسلحة إنهم رأوا مثل هذه المواقف من قبل.
وفي هذا السياق، قالت دوناتيلا روفيرا، كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو الدولية التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا: “كل بلد وكل حالة مختلفة تماماً، ولكن بالتأكيد إذا نظرت إلى الوراء، فإن العراق بلد آخر حيث كانت هناك عمليات تسليم دورية. لقد رأينا الكثير من الأسلحة تأتي في عام 2003 مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، ثم حدث ذلك عام 2014 عندما استولى داعش على أجزاء كبيرة من البلاد واستولى على مخزونات كبيرة من الأسلحة التي كانت مخصّصة للقوات العراقية”.
وأردفت: “في الآونة الأخيرة، رأينا الوضع نفسه يحدث في أفغانستان”، مشيرةً إلى الانسحاب الأميركي واستيلاء طالبان على البلاد، مؤكدة أنه “يجب أن تكون هناك آليات للرقابة”.
ويختم تقرير القناة الأميركية بالقول: “إذا قمنا بإغراق بلد ما بالكثير من الموارد القاتلة المتقدمة وخسرنا الحرب، فسيتعيّن علينا مواجهة عواقب وخيمة”.
وتعليقاً على ما ورد في تقرير “CBS”، انتقدت النائبتان في الكونغرس، لورين بوبيرت ومارغري تايلور غرين، عمليات توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، ووصفتاها بأنها “عملية احتيال”، حيث غرَّدت بوبيرت عبر تويتر بالقول :”كل الحقائق موجودة: معظم المساعدات عملية احتيال”، فيما اعتبرت غرين أن الولايات المتحدة لم تكن أبداً لتقلق بشأن مصير أوكرانيا، وغرَّدت قائلة: “هذا الفيلم هو أحد الأسباب التي دفعتني إلى التصويت ضدّه (دعم أوكرانيا). لم يكن الموضوع أبداً الشعب الأوكراني”.