قال جورج أورويل، مؤلف رواية 1984، و هي رواية بائسة وحكاية تحذيرية، ذات مرة: “إذا كنت تريد الحفاظ على سر، فيجب عليك أيضًا إخفاءه عن نفسك”. وكان رجل الدولة والدبلوماسي الأمريكي بنجامين فرانكلين أكثر مباشرة عندما كتب: “قد يحتفظ ثلاثة بالسر، إذا مات اثنان منهم”.
ومن المؤسف أن أحداً لم يخبر نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية السابقة في حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة في ليبيا. تم تعيينها في مارس 2021، وقد حظيت باحتفاء كبير باعتبارها المرأة الخامسة التي تتولى منصب وزير الخارجية في العالم العربي، حتى الآن. واليوم، بدلاً من التمتع بمنصب رفيع، تم طردها من الحكومة بسبب العار لعقدها اجتماعاً سرياً مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما.
كيف تخيلت بحق السماء أن الاجتماع سيبقى سريا؟ تبتهج تل أبيب بكونها صاخبة ومبتذلة، ويبدو أنها تستمتع بتسريب معلومات تلحق الضرر بالصديق والأعداء على حد سواء. في يونيو/حزيران، على سبيل المثال، أفاد موقع “أكسيوس” أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان “أعرب عن قلقه من قيام إسرائيل بتسريب معلومات إلى الصحافة حول المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران”. ويبدو أن هذا ما أكده ثلاثة مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين. ولا تنسوا أن أمريكا هي الحليف الرئيسي لإسرائيل والراعي والحامي في المجتمع الدولي.
ومن ثم، لم أتفاجأ عندما كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن اجتماع روما السري للعالم، حيث نقلت عن مسؤولين إسرائيليين لم تذكر أسمائهم كشفوا أن الاجتماع قد تم بالفعل. ويبدو أنه تم “التنسيق على أعلى مستوى” بين البلدين وجرى بعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما يُزعم، رئيس الوزراء الليبي الدبيبة.
الجميع، بما في ذلك المنقوش (والدبيبة)، يعلمون أن ليبيا لا تعترف بإسرائيل، ولا تقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب. مثل هذه العلاقات محظورة بموجب القانون في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، فماذا كانت تفكر؟ ولا يمكن للمرء إلا أن يخمن ما كانت إسرائيل تفعله من خلال تسريب التفاصيل.
وجدت وزيرة الحكومة البريطانية السابقة بريتي باتيل – واحدة من أول نائبتين آسيويتين في البرلمان البريطاني – على نفقتها الخاصة أنه لا يوجد شيء اسمه اجتماع سري مع تل أبيب. وعقدت اجتماعات غير معلنة في إسرائيل دون إخبار وزارة الخارجية بينما كانت برفقة ناشط مؤثر من المحافظين المؤيدين لإسرائيل. وفي أغسطس 2017، التقت بزعيم أحد الأحزاب السياسية الرئيسية في إسرائيل وقامت بزيارات إلى العديد من المنظمات حيث ورد أنه تمت مناقشة الأعمال الإدارية الرسمية. وبحسب أحد المصادر، فقد عُقد اجتماع واحد على الأقل بناءً على اقتراح السفير الإسرائيلي في لندن. مرة أخرى، أنا لست متفاجئًا على الإطلاق. وفي عام 2017 أيضًا، تم تصوير مسؤول في السفارة الإسرائيلية وهو يقول إنه “سيطيح” بالسير آلان دنكان، النائب الذي كان وزيرًا كبيرًا في وزارة الخارجية في ذلك الوقت.
ولم يتم إبلاغ الدبلوماسيين البريطانيين في إسرائيل بزيارة باتيل السرية على الرغم من أنها اضطرت بموجب الاتفاقية إلى إخبار وزارة الخارجية عن أي أعمال رسمية تجريها في الخارج. ووفقاً لداونينج ستريت في ذلك الوقت، كانت وزيرة التنمية الدولية في عطلة خاصة دفعت تكاليفها بنفسها، واغتنمت خلالها الفرصة للقاء العديد من الأشخاص.
وذكرت صحيفة الغارديان أن “تطمينات باتيل انهارت” عندما تبين أنه “طُلب من مسؤولي [وزارة التنمية الدولية] استكشاف ما إذا كان من الممكن إرسال أموال المساعدات البريطانية إلى الجيش الإسرائيلي من أجل العمل الإنساني في الجولان [السوري] المحتل”. المرتفعات.” ووفقا لصحيفة الغارديان، فقد أعقب ذلك تقرير في صحيفة هآرتس الإسرائيلية “أن باتيل زار مستشفى ميدانيا إسرائيليا في مرتفعات الجولان، وهي منطقة متنازع عليها لا تعترف بها المملكة المتحدة، وفشلت في الإعلان عنها”. ومن المعقول، في اعتقادي، الافتراض أن تفاصيل تلك الزيارة قد تسربت إلى صحيفة هآرتس من قبل حكومة إسرائيلية أو مصدر عسكري. وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، اضطرت باتيل – ابنة صاحب متجر مهاجر – إلى الاستقالة.
وكما هو الحال في ليبيا، غذت اجتماعات باتيل السرية كل أنواع الشائعات والتكهنات حول ما تم مناقشته. ولحسن الحظ، يبدو كما لو أن الهدوء قد عاد إلى ليبيا، بعد أن قام رئيس الوزراء الدبيبة بزيارة علنية للغاية إلى السفارة الفلسطينية في طرابلس لتأكيد دعم حكومته للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي.
وجهت فلسطين الشكر لليبيا اليوم الاثنين لتأكيدها رفضها تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأوضحت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الدبيبة “جدد دعمه المطلق للشعب الفلسطيني في سعيه المشروع لاستعادة حقوقه الكاملة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس”. “نحن نقدر المواقف التي عبر عنها دبيبة وحضوره الشخصي في السفارة”.
ولكنني أتساءل ما هو رأي الوزارة في الادعاء بأن الدبيبة كان على علم بلقاء المنقوش مع كوهين؟ هل كان رئيس الوزراء الليبي يختبر الماء للتطبيع المحتمل مع إسرائيل؟
وحتى الآن، أقامت ست دول عربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بدءا من مصر في عام 1979، والأردن في عام 1994، والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب في عام 2020.
وتكثر الشائعات بأن السعودية ستنضم قريبا إلى الستة المارقين. وكانت هناك بالفعل العديد من الشائعات الكاذبة، التي نشرتها إسرائيل، حول لقاءات سرية بين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
شخصياً، مازلت أشك في هذا الأمر. وكان الموقف الرسمي للمملكة دائمًا هو الالتزام بالجامعة العربية ودعم مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي بموجبها لن تحصل إسرائيل على علاقات “تطبيع” إلا مقابل اتفاق إقامة دولة مع الفلسطينيين. ومن شبه المؤكد أنه لو عقد نتنياهو أو أي من وزرائه اجتماعا سريا مع بن سلمان لتسربت التفاصيل قريبا بالصور والفيديو. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الإسرائيليون. اسأل نجلاء المنقوش. يعرف وزير الخارجية السابق الآن كل شيء عن تكتيكات تل أبيب.
