تناولت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مقابلة كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، مع شبكة “ABC News” الأميركية، التي أشارت فيها إلى “عواقب عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في رفح”، التي لجأ إليها أكثر من مليون ونصف المليون نازح فلسطيني من شمال وجنوب ووسط قطاع غزة.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ “النبرة الحازمة والتهديد الضمني” في تصريحات هاريس يعكسان “نقطة تحول” في العلاقات الإسرائيلية – الأميركية.
وصرّحت هاريس بأنّ “الرئيس بايدن لا يحتاج إلى عقد مؤتمر صحافي لتوضيح أين رسم خطه الأحمر”، وأنّ “معارضته الشديدة لعملية واسعة النطاق في رفح ظهرت في محادثته الأخيرة” مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
كما تكشّف هذا الأمر أيضاً – وفق هآرتس – خلال زيارة عضو “كابينت” الحرب بيني غانتس خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، وزيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى القدس خلال نهاية الأسبوع.
التحذير الذي أرسلته نائبة الرئيس بايدن أوضح أنّ رسالة بايدن “لم يُعمل بها”. والأهم من ذلك أنّ صبر الرئيس قد نفد، وفق “هآرتس”.
لا مكان آخر للمدنيين غير رفح
وفي تفاصيل المقابلة قالت هاريس للصحافية في “ABC News” راشيل سكوت: “لقد كنا واضحين جداً في عدد من المحادثات أنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح ستكون خطأً فادحاً”، مضيفةً: “سأخبرك بشيء.. لقد درست الخرائط، هؤلاء الفلسطينيون الذين نزحوا إلى رفح ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وهناك مليون ونصف المليون شخص موجودون هناك لأنّ هذا ما طلب منهم”، في إشارة إلى طلب “جيش” الاحتلال الإسرائيلي.
وأشارت هاريس أيضاً إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي دعا من القدس “إسرائيل” إلى الامتناع عن عملية عسكرية واسعة في رفح، كما حذّر نتنياهو من أنّ “إسرائيل” تخاطر بعزلتها في العالم، وقال بلينكن بوضوح: “الدخول المكثّف إلى رفح ليس هو الطريق على الأرجح. سيؤدي ذلك إلى سقوط ضحايا مدنيين”.
وردّاً على سؤال حول إمكانية حدوث عواقب من الولايات المتحدة على “إسرائيل” في حال اجتاحت رفح، قالت هاريس: “أنا لا أستبعد شيئاً”، ووفق “هآرتس” فإنه حتى ولو لم توضح هاريس طبيعة هذه العواقب، إلا أنّ نائبة بايدن عبّرت عن مثل هذا التهديد، وهو مؤشر على “نقطة تحول” في العلاقات بين “إسرائيل” والولايات المتحدة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.
وبحسب “هآرتس” لقد أصبحت حزمة المساعدات الأمنية الأميركية التي تتلقاها “إسرائيل” كل عام “لغماً سياسياً” بالنسبة لإدارة بايدن الديمقراطية، متناولةً دعوة قادة الجناح التقدمي في الكونغرس منذ أشهر (بيرني ساندرز) إلى وضع شروط على “إسرائيل” لتلقّي الأسلحة، ولافتةً إلى أنه “في الأسابيع الأخيرة، تزايدت قائمة أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين يشكّكون في حكومة نتنياهو، ويبدون اشمئزازهم منه ومن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير “الأمن القومي” الإسرائيلي إيتمار بن غفير.
ورأت الصحيفة الإسرائيلية أنه منذ أن “بدّل” بايدن استراتيجيته ونأى بنفسه عن “احتضان بيبي” (نتنياهو) وبدأ في انتقاده علناً، دعا “إسرائيل” مراراً وتكراراً إلى تجنّب أزمة إنسانية في رفح، متحدّثاً حتى عن “خط أحمر” يمر في رفح، لم يعبر عنه صراحة بخلاف الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة لن توافق على “مقتل 30 ألف فلسطيني إضافي”.
ووفق “هآرتس”، لم يعد سرّاً أنّ الإدارة الديمقراطية في واشنطن سئمت من نتنياهو، وأنّ إصرار الأخير على إجراء مقابلات مع كل وسيلة إعلامية ممكنة في الولايات المتحدة لمهاجمة الرئيس بايدن وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر هو مجرد “خط أحمر آخر يتجاوزه نتنياهو”.
وتابعت الصحيفة الإسرائيلية، أنه علاوةّ على ذلك، فإنّ ظهور نتنياهو الأخير أمام أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين حلّ مثل “صداع سياسي” للأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ في عام انتخابي مصيري، مشيرةً إلى أنه في حين أنّ الكتلة في الكونغرس ممزقة بين دعم “إسرائيل” ودعم الفلسطينيين، فإنّ تصوير نتنياهو لنفسه في دور الشرير ساعدها على توحيد صفوفها والتحدث بصوت واحد مؤيد لـ”إسرائيل” لكنه مناهض لنتنياهو.
ووفق “هآرتس” فإنّ المشكلة كالعادة هي أنّ الإسرائيليين مطالبون بدفع فاتورة نتنياهو، إضافةً إلى الدمار الذي يلحقه الأخير بأهم علاقات “إسرائيل” مع واشنطن، ولن يكون بالإمكان تخمينه إلا بعد سنوات أو حتى عقود قادمة.
تصريحات شومر ما تزال تتفاعل
ورأت الصحيفة أيضاً أنّ السناتور شومر – الذي يجب أن تمر عبره أي مساعدات لـ”إسرائيل” – “لا يستبعد إمكانية أن تغير الولايات المتحدة شروطها على إسرائيل”، – وهو ما ظهر في خطابه المطوّل ضد نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، حيث أخفى تفاصيل صغيرة مع تهديد مبطن، وقال: “لن يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى اتخاذ خطوات أكثر فعالية لتشكيل السياسة الإسرائيلية باستخدام وسائل الضغط المتاحة لنا”.
في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ شومر: “لن تُقطع العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لكن إذا استمر المتطرفون في تشكيل سياساتها، فيجب على الإدارة الأميركية استخدام الأدوات المتاحة لها لضمان توافق الدعم لإسرائيل مع أهداف الولايات المتحدة المتمثلة في تعزيز السلام والاستقرار”.
وعندما طُلب منه توضيح معنى كلمة “أدوات”، لم يوضح شومر القصد من هذه الكلمة بل قال: “لقد حول نتنياهو ودونالد ترامب إسرائيل إلى قضية حزبية، وهذا يضرّ فقط بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة”.
وتطرّقت “هآرتس” أيضاً إلى ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” حول اتصال نحو 17 سيناتوراً ديمقراطياً في وزارة الخارجية الأميركية لمعرفة ما إذا كانت “إسرائيل” تمتثل للمذكرة الرئاسية التي صدرت في 9 شباط/فبراير الماضي، والتي – تطلب من الدول التي تتلقى مساعدات عسكرية أميركية الالتزام بالقانون الدولي والسماح بالمساعدات الإنسانية وحماية حقوق الإنسان -، إضافةً إلى الطلب من هذه البلدان أيضاً تقديم تقارير منتظمة كل 90 يوماً، وهنا كشفت “هآرتس” أنّ “إسرائيل قدمت تقارير، لكن أعضاء مجلس الشيوخ شككوا في موثوقيتها، ورأت أنّ هذه الشكوك هي “علامة مشؤومة” أخرى للعلاقات المتأزّمة بين “إسرائيل” و”أقوى قوة في العالم”.
كما تطرّقت الصحيفة الإسرائيلية أيضاً إلى رسالة جديدة أخرى من 70 من كبار المسؤولين السابقين ووزارة الخارجية والجيش الأميركي الذين يعتبرون مؤيدين لـ”إسرائيل”، دعوا فيها بايدن إلى “اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل بسبب انتهاكات حقوق الإنسان”، إضافةً إلى عنف المستوطنين في الضفة الغربية، مستخلصةً أنّ هذا الأمر هو أيضاً مؤشر وخطوة أخرى في “رفع اليد”.