كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يعلّق الآمال على أن تعزز دورة الألعاب الأولمبية في باريس تاريخه وإرثه السياسيين، لكنّ الرهان الفاشل على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة أصابه بالشلل السياسي، وألقى ظلاله على أي مكانةٍ له في الساحة الدولية.
وبينما يستعد ماكرون لاستقبال أكثر من 100 رئيس دولة، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المتفرجين في حفل الافتتاح، الجمعة، على طول نهر السين، أصابه الوهن السياسي، وأصبح رئيساً لا يتمتع بشعبية على رأس حكومة تصريف أعمال، في وقت تستضيف بلاده أكبر حدث رياضي في العالم، حالياً، وسط مخاوف أمنية كبيرة.
في هذا الصدد، قال المؤرخ الفرنسي، باتريك ويل، إنّ “ماكرون توقع أن يستقبل دورة الألعاب الأولمبية كإمبراطور… لكنه الآن بطة عرجاء”.
ودافع ماكرون، وهو يتفقد القرية الأولمبية، الإثنين، عن قراره حلّ البرلمان، ونفى أن يلقي عدم الاستقرار السياسي، الذي أعقب ذلك، ظلاله على دورة الألعاب الأولمبية.
وقال: “أنا من اتخذ القرار”، في إشارة إلى عزمه الدعوة إلى إجراء انتخابات قبل الألعاب، مضيفاً: “ليس هناك أي إحساس بالمرارة. على العكس من ذلك، قمنا بالأمور التي كان يتعين علينا القيام بها قبلُ (دورة الألعاب الأولمبية). الآن يمكننا التركيز بصورة كاملة على الألعاب”.
وفي محاولة لإبقاء الأزمة تحت السيطرة، بضعة أسابيع، بدا أنه يشير إلى أنه من غير المرجح أن يعين رئيساً للوزراء قبل انتهاء الدورة، وأردف: “هناك نوع من الهدنة”.
“العرض سيستمر”
ودعا ماكرون إلى الانتخابات التشريعية بعد الهزيمة الساحقة التي مُني بها أمام حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، في انتخابات الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، وقال إنه يريد أن تزيل الانتخابات الغموض السياسي.
وبدلاً من ذلك، شكّل الناخبون الفرنسيون برلماناً متأرجحاً، ولم تتمكن أي كتلة حتى الآن من تشكيل حكومة، الأمر الذي أبقى على حكومة ماكرون السابقة لتصريف الأعمال.
وقال النائب اليميني المتطرف، جوليان أودول، إنّ “دورة الألعاب الأولمبية فرصة عظيمة ولحظة استثنائية وواجهة استعراضية رائعة لبلدنا… لكن الصعوبات التي يواجهها مواطنونا لا تزال مستمرة على الرغم من دورة الألعاب الأولمبية. وهذه الجمعية الوطنية (البرلمان) ليست في وضع يسمح لها حالياً بالتعامل” مع هذه الصعوبات.
وأكد مساعدون لماكرون ومسؤولون عن دورة الألعاب الأولمبية ومشرعون وشخصيات عامة لـ”رويترز”، أنّ العرض سيستمر من دون أن تتأثر أعوام من التخطيط الأمني والتخطيط اللوجستي بالسياسة. لكن البعض أقرّ بأنّ تداعيات الأزمة السياسية ستخيم على الدورة.
وقالت النائبة الاشتراكية، كريستين بيريس بون، إنّ الانتخابات المبكرة التي دعا إليها ماكرون تركت كثيرين من الفرنسيين في حيرة وغضب. وأضافت: “لم نشهد مثل هذا الغموض الشديد من قبل”.
“عام التجديد”
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. وفي خطابه إلى الأمة، عشية رأس السنة الجديدة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحدث ماكرون بفخر وتفاؤل بشأن العام المقبل.
وقال: “يحدث هذا الأمر مرة واحدة فقط في كل قرن؛ استضافة دورة الألعاب الأولمبية والبارأولمبية… عام 2024 سيكون عاماً للحسم وللخيارات والتجديد”.
لكن، بعد أكثر من ستة أشهر، تبخرت آمال ماكرون في تجديد تفويضه، في حين تسببت الأزمة السياسية التي أثارتها الانتخابات المبكرة أيضاً في إقبال أقل من المتوقع من السائحين على حضور دورة الألعاب الأولمبية.
وذكرت “رويترز”، في وقتٍ سابق، من هذا الشهر، أنّ حجوزات الطيران والفنادق إلى باريس خلال دورة الألعاب الأولمبية جاءت أقل من المتوقع، وعزا الخبراء ذلك إلى ارتفاع تكاليف السفر والإقامة والمخاوف الأمنية والاضطراب السياسي.
وساهمت التطورات المتلاحقة والمستمرة للانتخابات الأميركية – والتي تضمنت حتى الآن محاولة اغتيال للمرشح الجمهوري دونالد ترامب وانسحاب الرئيس جو بايدن من السباق – في إبعاد الأنظار عن الحدث المهم لماكرون.
من جهتها، اعترفت وزيرة الرياضة الفرنسية، أميلي أوديا كاستيرا، بأنّ الأسابيع القليلة الماضية كانت “صعبة سياسياً”.
لكنها رفضت فكرة، مفادها أنّ الأزمة السياسية ألقت ظلالها على دورة الألعاب الأولمبية. وقالت إنّ فرنسا يمكن أن تتنفس الصعداء لأنّ اليمين المتطرف لم يفُز بما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة، كما توقع بعض استطلاعات الرأي.
واستبعد ماكرون الاستقالة من منصبه قبل انتهاء ولايته، مؤكداً أنه لن يعيّن حكومة جديدة قبل نهاية الألعاب الأولمبية.