انتقد ماهر المذيوب المستشار الإعلامي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، ما سماه “النفاق والتخاذل العربي والإسلامي” في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكنه أشاد -في المقابل- بالتعامل الإيجابي من قبل الشعوب الغربية التي قال إنها اكتشفت “عدالة القضية الفلسطينية”.
وقال المذيوب، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “بعد 75 يوماً عن نصر 07 أكتوبر 2023، والحرب الصهيونية العالمية على غزة العزة، وكافة جبهات المقاومة، بلغ العدد التقريبي للشهداء الأبرار 20.000 فلسطيني، إلى جانب أعداد مهولة من الجرحى وحالة من الدمار الشامل للبنية التحتية والفساد التام لأدنى مقومات الحياة الطبيعية وتدمير حقيقي لمعنى الوجود الإنساني بغزة، بالإضافة إلى المأساة المتواصلة في الضفة الغربية والقدس الشريف، والانتهاكات الجسيمة والخطيرة ضد الوجود الفلسطيني أينما كان في فلسطين المحتلة”.
مقاومة أسطورية
وأضاف: “وقد واجهت المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني البطل هذه الحرب الشاملة الشرسة بمقاومة صلبة أسطورية سوف تكتب صفحاتها بأحرف من نور في التاريخ الإنساني وبمداد القلم والفداء في تاريخ المقاومة البشرية للظلم والظلمات، وبتمسك بالأرض ورفض تام لكل مشاريع التهجير القسري، واستعداد متجدد للتضحية والفداء في ملحمة شعبية ومقاومة أسطورية، على الرغم من الأثمان الغالية من الشهداء والجرحى والدمار الشامل، وسط تضامن مدني شعبي عالمي غير مسبوق وخذلان رسمي عربي، إلا من رحم ربي، وعجز عن تقديم الدعم المطلوب لشعب يموت في كل لحظة ويرفض بكل إباء الاستسلام”.
ويجمع عدد من المراقبين على أن حرب غزة نقطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وهناك من يتحدث عن “ربيع عربي جديد” بدأته المقاومة وقد يفضي للتخلص من الاحتلال والأنظمة المستبدة.
وعلق المذيوب على ذلك بقوله: “العلاقة بين التحرير من آخر وجه للاستعمار الاستيطاني البشع في العالم ودحر الاستبداد في العالم العربي والإسلامي، علاقة جدلية ومتبادلة، فالعدو الصهيوني هو المساند الأول لكل المستبدين في العالم العربي والإسلامي، وقد حارب العدو الصهيوني، الذي يدعي بأنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، كل محاولة وطنية مدنية شعبية للاستقلال التام وتجسيد سيادة القرار الوطني وإرساء الديمقراطية في كل الدول العربية والإسلامية”.
وأضاف: “كما أنه (الاحتلال) يعتبر أن القوى الإسلامية (إحدى أهم القوى المجتمعية في العالم العربي والإسلامي) تهديد وجودي لكيانه، وفي اعتقادي أن الحرب على غزة والصمود الأخلاقي والمادي الأسطوري للمقاومة والشعب الفلسطيني، ستكون لها نتائج إيجابية جداً على القضية الفلسطينية، تتجلى بإعادة إحيائها ووضعها على أولويات الأجندة الدولية والإقليمية، حيث تبين بشكل جلي أنه لا سلام في العالم بدون تحقيق السلام للفلسطينيين وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف”.
حرب تزيدنا صلابة
واعتبر أن “هذه الحرب الشرسة على غزة تزيدها صلابة وقوة، وتزيد من أصالة الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي وقيمتها الثابتة في بناء مستقبل الدول العربية والإسلامية، وأن الديمقراطية هي الحل الوحيد الممكن لإنقاذ هذا العالم العربي والإسلامي من الإفلاس المالي والتداعيات الخطيرة الاقتصادية والاجتماعية للفوضى الحالية عبر إعلاء راية مدنية الدولة وعودة العسكريين لثكناتهم ودفاعهم عن الأمة، حيث أثبتت هذه الحرب فشلهم الاستراتيجي التام والخسائر التي لا تقدر بثمن من الإنفاق العسكري الذي سكت عندما كانت الأمة تذبح، والأهمية القصوى للتمكين للعلم والعلماء في الأمة، عوضاً عن إشاعة قيم الرذيلة وثقافة التفاهة وضرب كل الأحلام المشروعة للشباب العربي والإسلامي في العيش في حرية وكرامة في بلاده والتمتع بخيراتها”.
وحول انتقاد البعض لـ”ازدواجية المعايير” للدول الغربية في تعاملها مع العدوان على غزة، قال المذيوب: “أعتقد أن الحرب على غزة، كشفت عجزنا وقلة حيلتنا ونفاقنا وتخاذلنا، نحن كعرب ومسلمين. فالقضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين أولاً وبالذات، فلماذا نطالب العالم بالتضامن، ونحن متقاعسون؟ وكيف نطلب النصرة من العالم ونحن متخاذلون؟ فبالرغم من المظاهرات التي شهدها العالم العربي والإسلامي، فإن ردة الفعل الشعبية لم ترتق لما هو مطلوب”.
وأوضح بالقول: “هناك جموع يهودية في شتى أنحاء العالم وخاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كانت مواقفها وتحركاتها أكثر إبداعاً وتأثيراً، كما أن تياراً واسعاً ومتجدداً ومتنامياً من الشباب العالمي، أعاد اكتشاف عدالة القضية الفلسطينية، وقام بحركية شعبية أثرت كثيراً في الدول والحكومات، وأعتقد جازماً أن سلطات الاستبداد العربي والإسلامي ساهمت مساهمة جدية في شل حركة الشارع العربي وتخفيض سقف توقعات أهلنا في غزة في التعاون والتضامن الأخوي والإنساني”.
قطر ونوبل السلام
وفي المقابل، أشاد المذيوب بالدور الإيجابي التي لعبته قطر في التوصل لهدنة إنسانية في قطاع غزة، جرت خلالها عملية تبادل للأسرى بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف: “مثلت دولة قطر حالة رسمية وشعبية مشرفة واستثنائية في تسخير كافة الإمكانات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والتضامنية الإنسانية للدفاع عن الشعب الفلسطيني في حالتي الحرب والسلم، ويمكن اعتبار الدوحة عاصمة للحوار والسلم الإنساني في العالم، ووجب على كل الحكماء تقديم ترشيح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، لجائزة نوبل للسلام؛ فهذا الحاكم الشاب العربي تمكن من تجاوز كل التحديات الخطيرة التي شهدتها بلاده بكل حنكة وبصيرة، وأصبح من حاصره بالأمس شريكاً له في تعزيز السلام في المنطقة والإقليم”.
وتابع بالقول: “كما أن الجهود المحمودة لسمو الأمير وحكومته في تعزيز الأسس الجدية للحوار بين المتحاربين في نقاط ساخنة جدا في العالم، وجهودهم المشرفة في إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين في عدة حروب أهلية أو صراعات إقليمية ودولية، جعل من قطر واحة للأمن والسلم في العالم، وعاصمة عربية نعتز بأدائها المشرف لنا كعرب ومسلمين”.
على صعيد آخر، اعتبر المذيوب أن موقف تونس من القضية الفلسطينية “موقف ثابت وراسخ، حب صادق وتعاون حقيقي وتضامن لا ينقطع ومصير مشترك حتى تقرير المصير وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية وعاصمتها القدس الشريف. والباقي تفاصيل لن تكتب في التاريخ”.
لكنه انتقد “تهميش” السلطات لعائلة خبير الطيران التونسي وعضو حركة المقاومة الفلسطينية حماس، محمد الزواري، الذي اغتالته إسرائيل في مدينة صفاقس التونسية عام 2016.
وأضاف: “الشهيد محمد الزواري، فخر لمدينة صفاقس وأحد علمائنا النوابغ، والابن البار لتونس الذي قدم نفسه فداء لقضية الأمة العربية والإسلامية، والذي عاش متواضعاً بعيداً عن الأضواء، ولكن عائلته الكريمة تعيش خذلاناً وعدم اعتراف ونسيان متعمّد ممن يقول إنه يتمنى أن يموت شهيداً ويعمل على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر (في إشارة للرئيس قيس سعيد)، وهو في استطاعته -بجرة قلم ولحظة من الزمن- الاعتراف بقيمة هذا العالم الكبير وتمكين زوجته من الجنسية التونسية وأدنى مقومات العيش بكرامة لزوجة شهيد، لكنه يواصل ازدواجية الخطاب والعمل”.
واعتبر المذيوب أن تواصل اعتقال عدد كبير من السياسيين والإعلاميين والنشطاء، وفي مقدمتهم رئيس البرلمان السابق ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، “يكشف حقيقة ادعاءات الرئيس قيس سعيد الباطلة في تحقيق دولة القانون والحريات، ويبرز حالة من الضعف والخوف من المعارضة وحرص على تحميلها فشله التام في تحقيق متطلبات العيش الكريم للشعب التونسي، حيث إن نسبة النمو لهذه السنة حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، أقل من 0.1 في المئة، ونسبة البطالة 16 في المئة، مع عجز كبير في توفير أغلب المواد الاستهلاكية الأولية، والأخطر هو الارتفاع الشديد في نسبة المديونية حتى بلغت قرابة 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وحاجة حيوية لأكثر من 28 مليار دينار كقروض للسنة القادمة وسط عزلة دولية شاملة تقريباً.
وحول الرسائل التي يرغب بتوجيهها للرئيس قيس سعيد، قال المذيوب: “أعتقد أن الرغبة الجامحة والمحمومة للسيد قيس سعيد في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، خلال العام المقبل، إن أقرت، تتطلب منه إطلاق سراح الغنوشي وكافة المعتقلين في السجون التونسية ووقف كافة الملاحقات القضائية بخلفية كيدية سياسية ضدهم، وإعادة الاعتبار لهم ولعائلاتهم الكريمة، وتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة مكلفة بإنجاز انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وديمقراطية وشفافة بإشراف لجنة عليا مستقلة للانتخابات، والأهم من كل هذا رفع حالة الاستثناء والخوف والرعب المسيطرة على تونس”.
المصدر : القدس العربي