في مشهد لا يخلو من التناقضات، تبرز مطالب إسرائيل بنزع سلاح حركة “حماس” كمحور يبدو في ظاهره شرطًا لتحقيق الأمن والسلام، لكنه في جوهره أداة متقنة لإفشال أي مسار تفاوضي، وإبقاء الحرب مشتعلة، واستمرار التطهير العرقي.
وحسب مجلة “+972” الإسرائيلية، فإنه في الوقت الذي تبدو فيه حماس اليوم شبه منزوعة السلاح عمليًا، تُصر الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، على تصعيد مطلب نزع السلاح في كل جولة مفاوضات كذريعة لإطالة أمد الحرب وتدمير ما تبقى من غزة.
مطلب مستحيل
في أبريل الماضي، قدمت مصر مقترحًا جديدًا لحماس يشمل هدنة مؤقتة مدتها 45 يومًا مقابل إطلاق سراح 12 محتجزًا إسرائيليًا و16 جثمانًا، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أضاف شرطًا أفضى إلى رفض العرض فورًا وهو نزع سلاح الحركة بشكل كامل، دون أي ضمانات بانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة أو إنهاء الحرب أو حتى وقف التطهير العرقي.
ووفقًا لمجلة “+972″، فإن هذا الشرط كان محاولة متكررة لتخريب المحادثات، خاصة مع تبني الحكومة الإسرائيلية خططًا علنية لغزو غزة واحتلالها على نحو دائم، وترحيل السكان قسرًا إلى معسكرات قريبة من الحدود، وإبقاء السيطرة العسكرية حتى بعد إنهاء ملف المحتجزين.
هذا المطلب، بحسب التقرير، ليس جديدًا، بل تكرر سابقًا عندما زعمت إسرائيل كذبًا أن غزو رفح الفلسطينية كان ضروريًا لتدمير أنفاق تهريب حماس، رغم فشلها بعد عام من التدمير في العثور على نفق واحد فعال، وقد كشف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق لاحقًا أن إحدى “اكتشافات الأنفاق” كانت مفبركة بالكامل بهدف تخريب جهود وقف إطلاق النار.
وبحسب المجلة، فإن الهدف الحقيقي لإسرائيل، بحسب اعترافات نتنياهو نفسه، هو جعل غزة غير قابلة للعيش، وغير قابلة للحكم، وخالية من سكانها تدريجيًا.
خرافة “التهديد الوجودي”
بعد أكثر من عام ونصف العام من القصف والحصار، لم تعد حماس تملك سوى قدرة رمزية على إطلاق صواريخ بدائية تُطلق على فترات متباعدة، ولم تقتل أي إسرائيلي منذ مارس الماضي، رغم أن إسرائيل خرقت الهدنة المعلنة حينها قرابة ألف مرة.
ومع ذلك، تستمر إسرائيل في تصوير الحركة كـ”تهديد وجودي”، لتبرير تهجير السكان وتنفيذ غارات عشوائية وتوسيع نطاق الحرب.
وتؤكد مصادر مشاركة في المفاوضات أن قادة حماس مستعدون للامتناع عن إطلاق أي رصاصة على إسرائيل لعشر سنوات أو أكثر، شرط إنهاء الحصار وإتاحة إعادة الإعمار.
وأظهرت الهدنة التي دخلت حيّز التنفيذ في يناير الماضي التزام حماس التام، رغم خروقات إسرائيل وقتلها أكثر من 150 فلسطينيًا خلالها، ورغم تآكل القدرة العسكرية، لا تزال الحركة قادرة على شن تمرد محدود داخل غزة ضد قوات الاحتلال.
إسرائيل من جانبها تستفيد من تضخيم قوة حماس إعلاميًا، لتبرير استمرار الحرب، بينما تسعى حماس لإظهار نفسها بموقف القوة والصمود، خصوصًا في ملف التفاوض.
ويشير تقرير “+972” إلى أن كلا الطرفين يبالغ عمدًا في تقدير قدرات الحركة المتبقية، فإسرائيل لأسباب استراتيجية، وحماس لأسباب تفاوضية، بما يشمل إثبات أن “الإبادة الجماعية” لم تفلح في سحق المقاومة.
فخ إعادة التدوير
رغم وجود ما يقارب 10 آلاف طن من القنابل الإسرائيلية غير المنفجرة في غزة، ترفض إسرائيل السماح لأي جهود جدية من الأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة الدولية لإزالتها، مكتفية بالسماح برش علامات طلاء على المتفجرات، ما يجعلها عرضة لإعادة الاستخدام من قبل حماس، وقد قتلت إسرائيل العشرات من خبراء المتفجرات في شرطة غزة ممن حاولوا إزالة هذه الذخائر.
المثير للاهتمام، بحسب المجلة، هو أن حماس وافقت في عدة مناسبات على عروض تقود فعليًا إلى نزع سلاحها، شريطة أن تحفظ ماء وجهها، كعرضها للمفاوض الأمريكي آدم بوهلر الالتزام بعدم إنتاج أسلحة أو حفر أنفاق جديدة، لكن الحكومة الإسرائيلية لم ترفض هذه العروض فقط، بل سرّبت القناة السرية بين بوهلر وحماس وأفشلت مهمته، ثم عملت على إنهاء تكليفه بالكامل.
وبعد أكثر من شهرين من الجمود، استأنفت واشنطن قنوات الاتصال مع حماس، التي بادرت بإطلاق سراح الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر دون مقابل، في محاولة لاستئناف المفاوضات، لكن نتنياهو روّج لهذه الخطوة باعتبارها “ثمرة الضغط العسكري”، مكرسًا روايته الأمنية، في وقت يحاول فيه ترامب تنشيط دبلوماسيته الشرق أوسطية.
نزع السلاح أداة للتخريب
وفق تقرير مجلة “+972″، فإن إصرار نتنياهو على مطلب نزع سلاح حماس، بينما يُجهض في الوقت نفسه كل قنوات الحوار المتعلقة بهذا الملف، يُثبت أن الهدف ليس نزع السلاح فعلًا، بل استخدامه كذريعة لرفض أي تسوية سياسية.
فمطلب نزع سلاح حماس حسب المجلة هو مطلب مصمم لإفشال التفاوض، لا لإنجاحه؛ شرط مستحيل يُطرح عمدًا ليُرفض، فتتواصل الحرب، ويتواصل الحصار، ويستمر تهجير الفلسطينيين تمامًا كما خُطط لذلك.