عندما يُؤكّد يائير لابيد وزير الخارجيّة الإسرائيلي في مُقابلةٍ مع القناة 12 العبريّة “أن حُكومته ستقف في خندق أمريكا الحليفة التقليديّة إذا اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا”، ويُضيف “تقليديًّا نحن نسير مع الأمريكيين حليفنا الأكبر الذي تربطنا معه علاقات أبديّة على المُستويين الأمني والسّياسي”، فإنّنا نأمل أن يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد استمع وشاهد هذه التّصريحات جيّدًا، واستخلص منها الدّروس والعبر، خاصَّةً أنه كان وما زال المُدافع الأكبر عن هذا الكيان العُنصري المُحتل، وغضّ النظر بالكامل عن غاراته العُدوانيّة المُتكرّرة على سورية، وضمّ الأراضي الفلسطينيّة، وقتل “حلّ الدولتين”، وارتِكاب مجازر بحق الأبرياء في فِلسطين، وتشديد الحِصار، وبالتّالي تجويع أكثر من مليونيّ إنسان في قِطاع غزّة، يقف مُعظمهم في الخندق الروسي.
مُعظم العرب، باستِثناء “أتباع” الولايات المتحدة، المُطبّعين مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، يعتبرون روسيا حليفًا استراتيجيًّا، ويدعمون التّحالف الروسي الصيني الذي يُريد إنهاء الهيمنة الأمريكيّة على مُقدّرات العالم، والوقوف (أيّ أمريكا) خلف كُل الحُروب التي تُهَدِّد أمنه واستِقراره.
روسيا اعتبرت “إسرائيل” صديقًا وفيًّا يُمكن الاعتِماد عليه في اللّحظات الصّعبة، ولهذا ساندت بشَكلٍ مُباشر أكثر من 300 عُدوان شنّته ضدّ أهداف في العُمُق السوري على مدى السّنوات الخمس الماضية، واستهدفت هذه الغارات الإسرائيليّة مُؤخَّرًا ميناء اللاذقيّة الذي لا يَبعُد إلا 50 كيلومترًا عن قاعدة حميميم الجويّة الروسيّة.
القيادة الروسيّة كانت تتذرّع دائمًا بوجود حواليّ مِليون إسرائيلي من أصل روسي هاجروا قبل سنوات معدودة إلى الأراضي الفلسطينيّة المُغتَصبة لغضّ النّظر عن الغارات الإسرائيليّة على سورية، وتدمير أهداف عسكريّة ومدنيّة وقتل المِئات مُعظمهم من المدنيين، والآن جاءت تصريحات وزير الخارجيّة حاليًّا ورئيس الوزراء الإسرائيلي القادم لبيد لتكشف فشل هذا الرّهان الروسي، بل وسذاجته في الوقت نفسه، الأمر الذي يتطلّب إعادة النّظر في مُعظم، إن لم يكن جميع السّياسات الروسيّة الحمائيّة تُجاه هذه الدولة العُنصريّة التي أدارت ظهرها لموسكو، ووقفت بكُل وضوح في خندق أمريكا، وفي اللّحظات الحَرِجَة جدًّا.
نتوقّع من روسيا، والرئيس بوتين على وجه الخُصوص، أن يستخدم ورقة المِليون إسرائيلي من أصل روسي، ومُعظمهم غير يهود، أو يهود غير مُعترف بيهوديّتهم، باتّجاه مُعاكس، أو ضدّ هذا الكيان الذي جاهر بالعداء لروسيا، دولتهم الأُم، ووقف في خندق أعدائها.
عندما جاءت محطّة “روسيا اليوم” النّاطقة باللغة العربيّة، بعقيد في الجيش الروسي للدفاع عن سياسات بلاده، وخاصَّةً تلك المُتعلّقة في عدم ردّها على الغارات الإسرائيليّة أو السّماح للجيش العربي السوري باستِخدام منظومات صواريخ “إس 300” الروسيّة التي في حوزته للقِيام بهذه المهمّة الدفاعيّة المشروعة، قال هذا الخبير في برنامج “قُصارى القول” الذي يُقدّمه السيّد سلام مسافر “نحن لسنا في حالة عداء مع إسرائيل، ولم نذهب لسورية لقِتالها، وإنّما لقِتال الإرهابيين”.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ ونتمنّى إجابة العقيد الروسي نفسه، أو المُتحدّث باسم حُكومته الإجابة عليه: “ألا تشمل تصريحات لبيد هذه اعترافًا صريحًا بتبعيّة إسرائيل لأمريكا، ووقوفها في الخندق الأمريكي في أيّ حرب ضدّ روسيا، ممّا يضعها في خانة العداء نفسها لروسيا، التي تضم بريطانيا وبولندا وروما وبلغاريا ودولة البلطيق، وكُل الأعضاء في حِلف الناتو؟”.
ننتظر الإجابة عن هذا السُّؤال على أحرّ من الجمر، ونأمل أن لا يطول انتِظارنا.