يتأثر سوق العملات الرقمية المشفرة بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تماماً كما هو حال أسواق المال التقليدية.
وعادة ما يبادر المستثمرون إلى بيع الأصول “الخطرة” أو غير المضمونة في الأزمات، لذا كان تراجع العملات الرقمية المشفرة أمراً متوقعاً تماماً باعتبارها أصولاً متقلبة بشدة في الأيام العادية، فما بالكم في ظروف دولية يخيم عليها الهلع النووي وشبح الانهيار الاقتصادي شرقاً وغرباً.
ولكن المؤشرات الراهنة تدل على أنّ سوق العملات الرقمية المشفرة يشهد تعافياً مطرداً مدفوعاً بثقة المستثمرين وقرب صدور نسخة مطورة من عملة الإيثيريوم تتجاوز جميع انتقادات أضرار التعدين على البيئة.
منذ الأسبوع الأول للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعالت أصوات خبراء تقنيين للتحذير من إمكانية التفاف موسكو على العقوبات عبر استخدام العملات الرقمية المشفرة. واليوم تفيد المعطيات بأن هذه العملات تشكل ملاذاً لجميع الأطراف المنخرطة في الحرب، وليس الأمر حكراً على روسيا فقط. لكن ما تكشّف إبّان الأزمة الراهنة هو حجم الاستثمار الروسي في العملات الرقمية المشفرة، حتى أن الأرقام تحاكي ثروة صادمة.
يقدر بعض المراقبين أن روسيا تسيطر على ثالث أكبر مجموع من عمليات تعدين العملات الرقمية في العالم. تم التوصل إلى هذا الاستنتاج من خلال مراقبة بيانات استهلاك الكهرباء “الرخيصة” في روسيا مقارنة بدول الغرب.
وتشير تقارير أكاديمية بريطانية إلى أن أكثر من 20 ألف جهاز تعدين تعمل في روسيا منذ العام 2017 على أقل تقدير. وتحظى عمليات التعدين بدعم رئاسي مباشر من فلاديمير بوتين، الذي أعلن مراراً أن بلاده تتمتع بمزايا تنافسية في ما يتعلق بهذه التقنية خاصة لناحية توافر الشروط اللوجيستية في سيبيريا الشديدة البرودة وانخفاض كلفة الكهرباء.
ومن الواضح أن روسيا تستفيد من تعدين بيتكوين لتجنب العقوبات الإقتصادية، تماماً كما تفعل إيران.
وتُظهر بيانات عمليات التعدين في روسيا، منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، أن أرباح التعدين لم تتأثر بالظروف السياسية. هذا الواقع كان محل اهتمام إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، منذ وصوله إلى الرئاسة حيث كرر مراراً أن من شأن العملات الرقمية المشفرة “تقويض” برامج العقوبات المالية الأميركية حول العالم.
وبالفعل تُظهر تقارير أميركية أن “أعداء” واشنطن لجأوا مراراً إلى هذا الخيار في الأشهر الأخيرة للالتفاف على العقوبات، بل إن برنامج كوريا الشمالية النووي يجري تمويل جزء هام منه بواسطة العملات الرقمية المشفرة.
وبحسب أرقام الحكومة الروسية، فإن موسكو تمتلك 12 في المئة من إجمالي العملات الرقمية المشفرة في العالم، أي ما يعادل 214 مليار دولار أميركي تقريباً، بحسب قيمة هذه العملات في مطلع شهر كانون الثاني/يناير الفائت. وبالتأكيد فإن هذه الثروة قد ازدادت بشكل ملحوظ بعد ارتفاع قيمة بيتكوين وأخواتها في الأسابيع الأخيرة، حتى أن العملة المشفرة الأم قد محت جميع خسائر الفصل الأول من العام 2022 في غضون أيام قليلة فقط.