تحدثت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، في تقرير بعنوان ” هل نحن أمام نظام عالمي جديد في الشرق الأوسط؟”، عن أنّ التقارب بين إيران والسعودية يمكن أن يغير المنطقة، وأنّ الولايات المتحدة “لم يعد بإمكانها ببساطة أن تطالب حلفاءها العرب بالانفصال عن الصين، والتوحد وراء قيادتها لمحاربة إيران”.
وأكّد التقرير أنّ الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران، بمبادرة صينية، “لديه القابلية لتغيير الشرق الأوسط”، عبر إعادة اصطفاف القوى الكبرى، “واستبدال الانقسام العربي الإيراني الحالي بشبكة معقدة من العلاقات”، ستؤدي إلى نسج المنطقة ضمن “طموحات الصين العالمية”.
وأوضح التقرير أنّه بالنسبة إلى الصين، يشكل هذا الاتفاق “قفزةً كبيرة” في تنافسها مع الولايات المتحدة، لأنّ الأخيرة حاولت أن تكون الوسيط بين البلدين، لكنّ السعوديين اعتقدوا أنّ إشراك الصين هو “الأضمن لاستمرار الصفقة مع إيران”.
وتابعت “فورين أفيرز” بأنه “إذا تمّ تنفيذ الصفقة بالكامل، فستتوافق طهران والرياض بشكل وثيق مرةً أخرى”، إذ إنه وفقاً للاتفاق الجديد، سيعيد الجانبان فتح السفارات، وستنهي الحكومة السعودية دعمها للقناة التلفزيونية الإيرانية الدولية، “التي تحمّلها طهران مسؤولية المعارضة المحلية”.
وبالإضافة إلى ذلك، سيلتزم الجانبان، وفق المجلة، بوقف إطلاق النار في اليمن، المتفق عليه في نيسان/أبريل 2022، وسيبدآن العمل على اتفاق سلام رسمي لإنهاء الحرب هناك.
كما يدعو الاتفاق إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وإلى بدء إيران وشركائها العرب مناقشات حول بناء إطار أمني إقليمي جديد، مع مواصلة الصين الإشراف المستمرّ على كل هذه الخطوات.
ويشير التقرير إلى أنه “من المحتمل أن تنهي الصفقة الإيرانية السعودية واحدة من أهم المنافسات في المنطقة، وتؤدي إلى توسيع العلاقات الاقتصادية عبر الخليج، إذ لن تقف إيران بعد الآن بمفردها لمواجهة تحالف الأنظمة العربية وإسرائيل، والذي تأمل الولايات المتحدة أن يقوم بالمهمة الصعبة المتمثلة في احتواء طهران”.
واعتبرت المجلة أنه “بدلاً من ذلك، فإنّ الاتفاق لديه القدرة على تقريب إيران من جيرانها العرب، وتحقيق الاستقرار التدريجي في علاقاتها في المنطقة”، مشيرةً إلى أنه “تأكيداً على هذا الوعد، تعهد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بأنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فإنّ السعودية مستعدة للاستثمار في الاقتصاد الإيراني”.
وبعدها، قبل الرئيس الإيراني بالفعل دعوة لزيارة الرياض في موعد غير محدد، في إشارة أخرى إلى نية الجانبين “تعزيز العلاقات”.
وسيكون لهذه الخطوات تداعيات مهمة، تؤكد مجلة “فورين أفيرز”، إذ إنه “أولاً، بالنسبة إلى إيران، فقد تحوّلت سياساتها من تعزيز علاقتها بأوروبا والولايات المتحدة، إلى تعزيز علاقتها بالعالم العربي، وقد أعادت حتى الآن العلاقات مع الإمارات والكويت والآن السعودية، وقد يمتدّ الأمر إلى البحرين ومصر”.
ويرى التقرير أنّ “العلاقات الإيرانية الأفضل مع دول مجلس التعاون الخليجي ستقلّل من التهديد، الذي شكلته اتفاقيات التطبيع الرسمي لبعض البلدان العربية، والتي توسّطت فيها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب”.
طهران: “لقاء قريب” بين وزيري خارجية إيران والسعودية
وثانياً، بالنسبة إلى السعودية، “تُظهر الرياض أنه إذا لم تخدم السياسة الأميركية المصالح السعودية، فلن يكون السعوديون مدينين بالفضل للتحالف”.
وثالثاً، بالنسبة إلى الصين، تؤكد “فورين أفيرز” أنّ المنطقة “مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وسيسمح تطوير هذا الممر للصين بالالتفاف على مضيق ملقا، في مواجهة الأسطول الهائل الذي تبنيه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ولتعزيز هذه الأولويات الاستراتيجية، تستعدّ بكين الآن لتحدّي واشنطن من أجل النفوذ في الشرق الأوسط”.
ويشير تقارب المصالح الاستراتيجية الأوسع للصين وإيران والسعودية، إلى أنّ “اختراق بكين مع إيران والسعودية من المرجح أن يكون بمنزلة أساس لواقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط”.
ويمثل هذا التحول “تحدياً تاريخياً للولايات المتحدة، حيث لم يعد بإمكان واشنطن ببساطة أن تطالب حلفاءها العرب بالانفصال عن الصين، والتوحد وراء قيادتها لمحاربة إيران”.
وخلص التقرير الأميركي إلى أنّ “هذا النهج قديم، ولا يتماشى مع الاحتياجات الحالية لحلفائها”، وكما قال أحد المسؤولين السعوديين، “فإنّ الولايات المتحدة فشلت في فهم أننا لا يمكن أن نكون حلفاء على حساب مصالحنا”، حيث لم يعد السعوديون يرون أنّ مصالحهم ستخدمها الحرب مع إيران أو المواجهة مع الصين.