هُزِم تحالف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية الفرنسية، وفشل في الحصول على الأغلبية البرلمانية المطلقة بالرغم من تحالفه العريض.
وفي المقابل، لم يفز تحالف اليسار بالأغلبية البرلمانية، لكنه في أقل تقدير تحوّل إلى القوة المعارضة الأولى، والأقوى في البرلمان.
وتشير النتائج الأولية للانتخابات الفرنسية إلى حصول معسكر ماكرون على 244 مقعداً مقابل 149 مقعداً لتحالف اليسار المتجدد. ومع حصول تحالف “معاً” (تحالف ماكرون) على أقل من 289 مقعداً، فإنه سيصبح مجبراً على السعي للحصول على دعم مجموعات سياسية أخرى لإقرار مشاريع القوانين.
وتقدم “اليمين المتطرف” عبر “التجمع الوطني”، وحصل على المزيد من المقاعد البرلمانية (85 مقعداً) بالمقارنة مع الانتخابات التشريعية عام 2017، وبالتالي أثبت حضوراً سياسياً وشعبياً ينذر بانعكاسات ثقيلة على الحياة السياسية والاجتماعية في فرنسا.
ويذكر أنه ضمن نتائج الدورة الأولى، التي جرت الأحد الماضي، حصل تحالف الرئيس “معاً” و”الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” اليساريّ، على نتائج متقاربة، تمثّلت في 25.75% من الأصوات للأول، في مقابل 25.66% للثاني.
وعلّق زعيم “حزب فرنسا غير الخاضعة” جان لوك ميلانشون على نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية قائلاً : “قبل كل شيء فشل انتخابي للرئيس الفرنسي”، مشيراً إلى أنّ “هزيمة الحزب الرئاسي كاملة وليس هناك أي أغلبية”.
أما زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان فقالت: “نتعهد بممارسة معارضة حازمة ومسؤولة تحترم المؤسسات”. في الوقت نفسه، شدّدت رئيسة الوزراء الفرنسية على أنّ نتيجة الانتخابات البرلمانية “خطر على البلاد”.
برلمان من دون أغلبية مطلقة
برلمان فرنسا الجديد من دون أغلبية برلمانية، سيجعل من المرحلة المقبلة شديدة السخونة، ولا سيما أن الرئيس ماكرون الخارج ضعيفاً من الانتخابات سيكون في موقف لا يحسد عليه لجهة اضطراره إلى تقديم تنازلات في غير اتجاه، لتشكيل أغلبية برلمانية لن تكون ممكنة من دون التوجه إلى اليمين التقليدي عبر حزب “الجمهوريين” الذي لا يبدو أنه في وارد التفاوض مع ماكرون، بعد أن وصف أحد قادته نتيجة ماكرون بأنها “تمثل فشلاً”، وأن الحزب سيكون في المعارضة، ففي طبيعة الأمور لن يتوجه ماكرون لا إلى اليسار ولا إلى اليمين المتطرف.
انتخابات تشريعية استثنائية في فرنسا تحجّم حزب الرئيس وموقع الرئاسة، أولاً بنسبة النواب التي حصل عليها، وثانياً بهزيمة بعض الوزراء وشخصيات سياسية مقرّبة من ماكرون، وتنتج برلماناً بتوازنات دقيقة قد تحول عمل الحكومة المقبلة إلى ما يشبه “السيرك”، على حدّ تعبير أحد المتابعين للحياة البرلمانية، وتشل عمل الحكومة وتعيق برنامج ماكرون.
واقع سيدخل فرنسا في أزمة سياسية، في الوقت الذي تحاصرها فيه أزمات اقتصادية ومالية وإجتماعية، إضافة إلى تبعات حرب أوكرانيا، وسيظلل السنوات الخمس من عهد ماكرون بالاضطرابات، كما حللت محطة “فرانس 3″، بعد أن تحدّث مراقبو الانتخابات عن وضع صعب لا يستثني أياً من القوى السياسية الممثلة في البرلمان.
وعلى الصعيد الخارجي، اهتزّت صورة إيمانويل ماكرون، وهو الذي يحاول منذ سنوات تجسيد شخصية القائد الأوروبي الحالم بنقل أوروبا إلى مستوى القوة العظمى.
لكن بعد الانتخابات التشريعية، لم يعد ماكرون ممسكاً بدفة قيادة بلاده، الأمر الجديد على شركائه الأوروبيين، ومن الطبيعي أن تتغير التوازنات داخل الاتحاد الأوروبي بعد أن قاد ماكرون عبر رئاسته المرحلية استراتيجية تثبيت فرنسا في قمة الاتحاد.
إذاً، كيف سيدير ماكرون عهده؟ بأي كلفة سيشكل الأغلبية البرلمانية؟ ما هو مصير برنامجه القائم على الأحادية في القرارات والسياسات الداخلية والخارجية؟
أسئلة صعبة ستتضح الإجابات عنها مع الأيام المقبلة وسلسلة المفاوضات الساخنة بين ممثلي القوى السياسية في البرلمان.