أكّد المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ الموقف الأميركي بشأن الحرب على غزة لم يتغير جوهريًا، وإن تحدّث عن “بعض التغيرات في النبرة”.
وأوضح في حديث إلى “العربي”، ضمن التغطية المفتوحة للحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، أنّ الهدف الإستراتيجي لدى الأميركيين والإسرائيليين في القضاء على حركة حماس ما زال قائمًا.
وتحدّث بشارة عن “ذهول” إسرائيلي من حجم البنية التحتية العسكرية للمقاومة تحت الأرض، معربًا عن اعتقاده بأنّ صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة سيكون طويلاً. وقال: “لا يمكن أن نعلق مصير كل فلسطين على أكتاف الشباب الذين يقاومون إسرائيل في غزة”.
ورأى بشارة أنّ المقاومة ليس لديها مصلحة في هدن مؤقتة مع إسرائيل، معتبرًا أنّ حماس محقة في أنه لا معنى لصفقات تبادل ما لم يكن هناك وقف دائم لإطلاق النار.
وأشار إلى أنّ إسرائيل تُخضِع مسألة الأسرى في غزة لإستراتيجيتها العسكرية وليس العكس، ملاحظًا أنّ إستراتيجية إسرائيل العسكرية في غزة تقوم على استهداف المدنيين والمقاومين.
وإذ اعتبر أنّ جزءًا من التغير في الموقف العربي سببه الإدراك بأن ما تقوم به إسرائيل خطير على المنطقة، جدّد القول إنّ ما قامت به جماعة الحوثي ضد إسرائيل “جريء وقوي ومؤثر”.
وعلى صعيد جبهة جنوب لبنان، قال بشارة إنّ إسرائيل وحزب الله لا يريدان الحرب لكنهما يرفعان سقف قواعد الاشتباك، إلا أنّه تحدّث عن إشكالية ستظهر بعد أن تبدأ مضاعفات الحرب على غزة بالتراجع، مشدّدًا على أنّ مستوطنات شمال فلسطين وغلاف غزة تشكل معضلة حقيقية للحكومة الإسرائيلية.
وفيما رأى أنّ حرب غزة أوقفت التطبيع مؤقتًا، لفت إلى أنّ الشرعية التي اكتسبتها المقاومة في هذه الحرب تفرض عليها مسؤولية كبيرة لاحتواء الجميع، معتبرًا أنّ المسؤولية تحتم على المقاومة الفلسطينية أن يكون خطابها موجّهًا لكسب الرأي العام العالمي.
الموقف الأميركي لم يتغيّر جوهريًا
من المواقف الأميركية المستجدّة إزاء الحرب على غزة، والتي وصفها البعض بـ”غير المسبوقة”، انطلق المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في سياق حديثه لـ”العربي”، ليؤكد أنّ الموقف الأميركي في الجوهر ما زال كما هو، مع حديثه عن “بعض التغيرات في النبرة”.
وأرجع الدكتور بشارة هذه التغيّرات إلى رغبة الولايات المتحدة في “كسب السمعة الحسنة عالميًا”، على حدّ وصفه، بمعنى أنّها لا تريد أن ترتبط بالأساليب التي تستخدمها إسرائيل، ولو أنها لا تنتقد هذه الأساليب بشكل مباشر، ولا تعتبر بأنّ ما يجري في غزة هو حرب إبادة ارتُكِبت فيها كل الموبقات.
ورأى أنّه “إزاء الغضب الدولي الشعبي على ما يجري من حرب إبادة في غزة، كان بايدن مضطرًا أن يخرج بنوع من النصائح، لجهة التحذير من أنّ إسرائيل قد تخسر الدعم العالمي إذا لم تغيّر أسلوبها”.
صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة سيكون طويلاً، لكن لا يمكن أن نعلق مصير كل فلسطين على أكتاف الشباب الذين يقاومون إسرائيل في غزة
ولفت بشارة إلى ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عن الانتقال إلى مرحلة جديدة، وحثّه على استهداف قادة حماس، متحدّثًا في هذا الإطار عن نصائح أميركية أن ينتهي القصف الهمجي التعسفي الشامل، من أجل الانتقال إلى عمليات “نوعية” ضد حركة حماس.
وقال: “هذا هو التوجه وهم يحدّدون نهاية يناير حتى منتصف فبراير موعدًا لانتهاء هذه المرحلة من الحرب بهذا الطريقة الشنيعة قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة يتم فيها العمل بشكل محدد على استهداف حركة حماس”.
الخلاف حول “اليوم التالي” للحرب
وفي سياق الحديث عن الخلاف حول “اليوم التالي” للحرب على غزة، الذي برز بين كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أوضح الدكتور بشارة أنّه نفسه الخلاف القديم بين إدارة بايدن ونتنياهو، بل بين مختلف الإدارات الأميركية الديمقراطية مع نتنياهو.
وفي حين ذكّر بأنّ 7 أكتوبر أعادت نتنياهو إلى أحضان بايدن، مع الاعتراف التاريخي أن إسرائيل لا تستطيع خوض الحروب من دون الولايات المتحدة، أشار إلى أنّ ذلك لا يحجب حقيقة وجود خلاف أميركي مع نتنياهو بشأن إستراتيجيات واشنطن في المنطقة، معتبرًا أنّ نتنياهو يصرّ على أن كل شيء في الإقليم يجب أن يخضع لصراعاته السياسية داخل إسرائيل.
وفيما لفت إلى أنّ نتنياهو يصرّ على أنه الوحيد القادر على إفشال “مشروع الدولة الفلسطينية”، أشار إلى أنّه يصرّ أيضًا على السيطرة على غزة أمنيًا بشكل مباشر، مع توريط العرب قدر الإمكان في إدارة القطاع، كما أنه يخطط لضم المنطقة ج في الضفة الغربية، وهذا كله موضوع خلاف مع الولايات المتحدة.
ولفت إلى أنّ تحالف بيني غانتس، المطروح كبديل لنتنياهو، ويائير لابيد، يختلف مع نتنياهو لجهة الاستعداد لقبول السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، مع ملاحظته أنّ غانتس ولابيد يتعمّدان الحديث عن “كيانين”، وليس “دولتين”. كما تحدّث عن إصرار عسكري إسرائيلي على ضمّ غور الأردن لأنهم لا يريدون أي حدود فلسطينية أردنية حتى لا يكون هناك تواصل عربي عربي.
“ذهول إسرائيلي” من قوة المقاومة
بالانتقال إلى وقائع الحرب الميدانية، لفت الدكتور بشارة إلى أنّ القصف الشامل حتى الآن كان انتقاميًا دمويًا فيه نوع من الثأر القبلي، مشيرًا إلى أنّهم كما تفاجأوا في 7 أكتوبر نتيجة الغطرسة والاسترخاء الناجم عنها، يتفاجؤون اليوم بنقص المعلومات حول قدرة المقاومة على الصمود، ولا سيما أنّهم ما زالوا يخوضون معارك في مناطق مختلفة من قطاع غزة.
وسخر بشارة من حديث الجيش الإسرائيلي عن مجريات العملية البرية في قطاع غزة، “إذ إنّ من يسمعهم يخال أنّ شمال غزة قارة، في حين أننا نتحدث عن قطاع صغير جدًا”، مضيفًا: “لو كانت إسرائيل فعلاً قوية بالمعنى الذي نتخيله نحن العرب، فهي بالتأكيد لن تحتاج إلى هذه اللغة في سرد الوقائع”.
وتحدّث في هذا السياق عن “ذهول إسرائيلي” من حجم البنية العسكرية التي تمتلكها المقاومة تحت الأرض، وهو ما عزاه إلى الفكرة “العنصرية” الموجودة لدى الإسرائيليين عن الفلسطينيين والعرب وقدراتهم، معربًا عن اعتقاده بأنّ “لديهم الكثير ليتعلموه بعد”، ومتحدّثًا عن “أساليب جديدة ستجترحها المقاومة في المرحلة المقبلة”.
وأكّد أنه على المستوى الشخصي لم يتفاجأ بأداء المقاومة، “لأنه يعرف شعبه”، وفق قوله، لكنه مع ذلك، نبّه إلى أنّ قوة إسرائيل العسكرية لا يمكن الاستخفاف بها، ولا سيما أنّ الولايات المتحدة تقف خلفها، قائلاً: “الولايات المتحدة حين تتحدث عن الحوثيين تقول نحن نعرف من وراءهم ومن يسلحهم، وهذا ينطبق على الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل”.
واستنادًا إلى ما تقدّم، قال بشارة: “لا نستطيع أن نحسم أنّ إسرائيل ستُهزَم في هذه الحرب، لكن هناك فشل يومي في مخططاتهم العدوانية، وهناك مقاومة باسلة تواجههم، وهذا أمر يرفع رأس كل عربي”. لكنّه شدّد على أنّه “لا يمكن أن نعلق مصير كل فلسطين على أكتاف الشباب الذين يقاومون إسرائيل في غزة”.
لا معنى لصفقات تبادل بلا وقف لإطلاق النار
بالانتقال إلى ما يُحكى عن عودة خطوط التفاوض بشأن صفقة تبادل جديدة، لفت بشارة إلى أنّ موقف حركة حماس والمقاومة عمومًا هو أنّه لا توجد مصلحة بالمقاومة في هدن حاليًا يُفرج فيها عن سجناء ثم يعود القصف في اليوم التالي.
وأوضح أن حماس تقول إنّ الهدن لن تتحول إلى وضع قائم يمكن البناء عليه، ولا سيما أنّ إسرائيل عادت بعد الهدن السابقة إلى القصف الوحشي أكثر من السابق، كما أنّ السجناء الذين أطلِق سراحهم قد يقبض عليهم من جديد في أي وقت، بغياب أيّ ضمانات.
وأعرب عن اعتقاده بأنّ حركة حماس محقة في أنه لا معنى لصفقات تبادل ما لم يكن هناك وقف دائم لإطلاق النار، لأنّ ذلك سيجعل الحركة تخسر أوراقًا في يدها بلا فائدة.
وذكّر بأنّ إسرائيل تقول إنّ الطريق الأفضل لتحرير المحتجزين الإسرائيليين هو الضغط العسكري على حماس، ما يعني أنّ إسرائيل تُخضِع مسألة الأسرى في غزة لإستراتيجيتها العسكرية وليس العكس.
لا نستطيع أن نحسم أنّ إسرائيل ستُهزَم في هذه الحرب، لكن هناك فشل يومي في مخططاتهم العدوانية، وهناك مقاومة باسلة تواجههم، وهذا أمر يرفع رأس كل عربي
وعلّق على حادثة قتل الجيش الإسرائيلي لثلاثة من الأسرى، على الرغم من أنهم كانوا عراة ويرفعون الرايات البيضاء، معتبرًا أنّ “التبرير أقبح من الذنب”، حيث زعم الإسرائيليون أنّهم لم يتعرفوا عليهم، وكأنّ ذلك يعني أن قتلهم مسموح.
وأشار إلى أنّ ما جرى كشف أنّ إستراتيجيتهم العسكرية لا تميّز بين مدني وغير مدني، بل تقوم على استهداف المدنيين بالدرجة الأولى، وعلى قتل كل ما يتحرك في غزة. وقال: “إذا قارنّا بين عدد الضحايا من المدنيين قياسًا بعدد الشهداء من كتائب القسام، يتبيّن أنّ المدنيين هم المُستهدَفون وعناصر القسام هم الأضرار الجانبية، لأنهم لا يصلون إليهم إلا صدفة ولا يعرفون أين هم”.
الموقف العربي الرسمي والشعبي
وفيما اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أنّ الإسرائيليين يريدون تطبيق نظام فصل عنصري بامتياز بعد الانتهاء من الحرب على غزة، جدّد انتقاد الموقف العربي الرسمي من الحرب على غزة، الذي سبق أن أدرجه في خانة “المتفرج”.
وميّز في هذا السياق بين موقف كان متواطئًا، بمعنى أنه كان ينتظر أن تقضي إسرائيل على هذه العقبة التي اسمها مقاومة فلسطينية لكي يسهل دمج إسرائيل في هذه المنطقة، ومواقف رافضة لذلك لكن عاجزة عن فعل شيء، ومواقف تستخدم قضية فلسطين كشعار.
وأشار إلى أنّ الموقف الأول تغيّر بعض الشيء لأسباب متفاوتة، فقد أدرك قسم من أصحاب هذا الرأي أن سلوك إسرائيل خطير من الناحية السياسية، وشعر أنّه لا يستطيع أن يرهن مستقبله لمزاج وغطرسة حكام إسرائيل في التعامل مع الشعب الفلسطيني، كما أنّ هناك أيضًا من عدّل عن موقفه من رغبته في احتواء الشارع العربي.
وأكّد أنّ الشارع العربي متضامن بشكل تام مع القضية الفلسطينية، متحدّثًا خوف في بعض الدول من الخروج في مظاهرات بسبب القمع، كما نوّه بحملات المقاطعة العفوية على منصّات التواصل، والخطوات الفردية في هذا الإطار، واصفًا كلّ هذه الأمور بـ”الجيدة والمتطورة”.
إلا أنّ بشارة جدّد مع ذلك الدعوة إلى تكثيف وتيرة هذا التضامن والخروج بشكل فعّال إلى الشوارع خصوصًا في العالم العربي، “لأن هذا ما قد يجعل الولايات المتحدة تدرك الخطر الكامن في السلوك الإسرائيلي على المنطقة”، معتبرًا أنّ حراك الشارع العربي يبقى “ناقصًا دون ذلك”.
ما قام به الحوثيون “جريء ومهم ومؤثر”
ونوّه الدكتور عزمي بشارة مرّة أخرى بما يقوم به الحوثيون من خطوات تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، واصفًا حراكهم بـ”الجريء والمهم والمؤثر”، وذلك بغضّ النظر عن موقفه من وضعهم في اليمن، وإدراك أنّ مستقبل اليمن لا يمكن أن يقوم على استئثارهم بالحكم.
ولاحظ بشارة أنّ ما يفعلونه مؤثر، ليس فقط على الطرق البحرية إلى إسرائيل، ولكن أيضًا على الاقتصاد العالمي، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ حراكهم يشكّل “نوعًا من العقوبات التي كنّا نتمنى أقل منها بكثير من الدول العربية”، وفق وصفه.
وأعرب عن اعتقاده بأنّه ستكون هناك إجراءات ضد الحوثيين، “لكن سيضطرون للحديث معهم”، معتبرًا أنّ الحوثيين بما فعلوه “فرضوا أنفسهم جزءًا أساسيًا من المعادلة”، وهو ما يثبّت موقفه من ضرورة تحرك الدول العربية، وعدم اكتفائها بالتفرّج.
وجدّد القول إنّ “الدولة التي تتخذ موقفًا من ممارسات إسرائيل هي التي تكسب من ناحية أمنها القومي”، قائلاً: “عندها، سيُحسَب لهذه الدولة حسابًا، فهي لا تقبل كل ما يقال لها كأنها عبد مأمور”. وأضاف: “الدولة التي تتخذ موقفًا مما تفعله إسرائيل لا تصنع معروفًا للشعب الفلسطيني إنما هي التي تكسب”.
واستبعد ما يُحكى عن تحالف عربي ضد الحوثيين بسبب ما يقومون به ضد إسرائيل، قائلاً: “ستكون هنالك مفاوضات معهم لكن لا أعتقد أن أحدًا سيقوم الآن بعملية عسكرية ويدخل اليمن”.
هل تنشب الحرب مع حزب الله؟
وبالانتقال إلى الجبهة المشتعلة جنوبي لبنان، استبعد بشارة مرّة أخرى أن تؤدي إلى نشوب حرب، طالما أن الطرفين المعنيين، أي إسرائيل وحزب الله، لا يريدان الحرب، ويكتفيان برفع سقف قواعد الاشتباك.
وأكد أنّ التصعيد العسكري الحالي لحزب الله حقيقي ويشكل مساندة لقطاع غزة، ملاحظًا أنّ جزءًا صغيرًا من العمليات التي ينفذها الحزب اليوم كان من شأنه أن يؤدي إلى حرب في السابق، لكنه اليوم يتسبّب فقط برد إسرائيل محدود.
وقال: “طالما أنّ الطرفين لا يريدان الحرب لن تكون هناك حرب”، معتبرًا أن ما حصل حتى الآن أن قواعد الاشتباك تغيرت وارتفع سقفها من دون أن تتدهور إلى حرب”. لكنه لفت إلى أنّ السؤال هو عن الوضع بعد انتهاء الحرب على غزة.
وأوضح أنّ مستوطنات شمال فلسطين وغلاف غزة تشكل معضلة حقيقية للحكومة الإسرائيلية، ولا سيما أنّ سكان المستوطنات الذين هُجّروا يطالبون بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني ليعودوا إلى مستوطناتهم.
وفيما أعرب عن اعتقاده بأنّ إسرائيل ستحاول أن تعالج الأمر دبلوماسيًا، لدفع حزب الله إلى الانسحاب، وربما تعرض عليه صفقات، من ضمنها الانسحاب من مزارع شبعا، تساءل عمّا إذا كان حزب الله يمكن أن يوافق على مثل هذا الطرح.
حرب غزة أوقفت التطبيع مؤقتًا
وفيما قال بشارة إنّ الخيارين واردان، سواء الحلّ الدبلوماسي أو الحرب، أشار إلى أنّ إسرائيل ستسأل نفسها بعد حرب غزة إن كانت مستعدّة أن تخوض حربًا جديدة، ولا سيما أنّ الفاتورة الاقتصادية التي تتكبدها باهظة، وأنّ حزب الله الآن أكثر تطورًا من حرب 2006.
وإذ أكد بشارة أنّ دخول الحروب ليس بهذه السهولة، أعرب عن اعتقاده بأنّ هذا الموضوع سيكون مهمًا ومركزيًا منتصف العام المقبل، حينما تبدأ مضاعفات الحرب على قطاع غزة بالتراجع.
التصعيد العسكري الحالي لحزب الله حقيقي ويشكل مساندة لقطاع غزة، كما أنّ ما يقوم به الحوثيون في اليمن جريء ومهم، ويشكّل نوعًا من العقوبات التي كنّا نتمنى أقل منها بكثير من الدول العربية
وجزم بشارة أنّ الحديث عن حرب إقليمية شاملة ليس واقعيًا، لافتًا في الوقت نفسه إلى أنّ حرب غزة أوقفت التطبيع مؤقتًا، متمنيًا أن يتراجع من كانوا قد باشروا بهذا المسار، ويدركوا أنّ قضية فلسطين لا يمكن تهميشها، وأنّها قضية مركزية.
إلا أنّ بشارة لاحظ مع ذلك، أنّ الدول التي طبّعت لم تقم بأي خطوة للتراجع، بل على العكس هناك اندفاع وإجراءات ضد كل من يرفع علم فلسطين ويضع كوفية حتى. ولفت إلى أنّ الدول عمومًا تتحرك بموجب مصالح، ومن هنا تبرز أهمية عنصر الفعل الشعبي لأنه يضع النقاط على الحروف تمامًا.
الشرعية التي اكتسبتها المقاومة تفرض عليها مسؤوليات
من جهة ثانية، اعتبر بشارة أنّ الأداء السياسي للمقاومة الفلسطينية جيد ولا يوجد غبار عليه، لافتًا إلى أنّه لا توجد تعقيدات سياسية في الوقت الحالي.
إلا أنّه اعتبر أن بعض “مؤيدي المقاومة” يبدو كأنّ هدفهم أن يخاصموا حتى المتضامنين مع المقاومة إذا لم يتفقوا معهم على كل التفاصيل.
وشدّد على أن الشرعية التي اكتسبتها المقاومة في هذه الحرب تفرض عليها مسؤولية كبيرة لاحتواء الجميع، معتبرًا أنّ المسؤولية تحتم على المقاومة أن يكون خطابها موجّهًا لكسب الرأي العام العالمي.
وقال: “هدف المقاومة الآن كسب كل حليف ممكن وليس إبعاد أحد بسبب تفاصيل أو خلافات صغيرة أو حتى كبيرة”، مضيفًا: “المسؤولية التي وضعت فيها حرب غزة المقاومة الفلسطينية والشرعية التي اكتسبتها تتطلب محاولة احتواء الجميع وطرح خطاب سياسي مسؤول ومقبول من الجميع”.
“التآمر على المقاومة بدأ”
وفيما حذّر من أنّ “التآمر على المقاومة بدأ”، في إشارة إلى بدء الحديث عن اليوم التالي للحرب، وعن كيفية التخلص من حركة المقاومة سياسيًا، شدّد على أنّ “التصدي لذلك يتطلب حكمة ومسؤولية”، معتبرًا أنّ “الأمر الرئيسي هو الأداء والصمود مع تفهم معاناة الناس قدر الإمكان”.
كما لفت إلى أنّه “يجب التفكير بالبناء على حركة التضامن العالمي لأنها ستكون الحركة التي نبني عليها مستقبلاً في الصراع ضد نظام الأبارتايد”.
واعتبر بشارة أنّ الأمر نفسه يسري على خطاب المقاومة تجاه الكل الفلسطيني، موضحًا أنّ الأمر الرئيسي الذي يجب أن تركّز عليه الآن هو كل ما يمكن أن يكون أساسًا للوحدة الوطنية في الصراع مع إسرائيل التي كشفت عن وجهها القبيح بهذا الشكل”.
وفي السياق، لفت إلى أهمية محاولة إقناع شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني بأنّ التمسك باتفاقية أوسلو لا معنى له، بعدما تنصّلت إسرائيل منها، مجدّدًا الدعوة إلى إطار يجمع الجميع، ويعيد الوحدة إلى الشعب الفلسطيني.
صمود المقاومة الفلسطينية سيكون طويلاً
وفي ختام حديثه لـ”العربي”، أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ صمود المقاومة سيكون طويلاً، وذلك للكثير من الأسباب، من بينها ما أظهرت المقاومة من قدرات وطاقات وجرأة وشجاعة، فضلاً عن حجم الغباء لدى الجانب الإسرائيلي في المقابل، وهو الذي اعتبره نتيجة للغطرسة الإسرائيلية.
انطلاقًا من ذلك، استبعد بشارة أن تنجح إسرائيل في تنفيذ خططها بإنهاء المسألة خلال شهر أو اثنين أو حتى ثلاثة، مرجّحًا أن يطول الأمر، بعد الانتقال إلى المرحلة الثانية من الحرب، وهو ما يفترض البعض أن يحصل بين نهاية يناير/ كانون الثاني ومنتصف فبراير/ شباط.
وقال: “بعد أن تنتهي مرحلة القصف الهمجي لقطاع غزة وتبدأ محاولة تثبيت الوجود الإسرائيلي في القطاع عبر التمشيط والعمليات والبحث عن عناصر حماس سيواجهون مقاومة قد تكون عنيفة، فتتعثّر معها الخطط الإسرائيلية”.
وخلص إلى أنّ “القدرة الإسرائيلية على حسم المعركة واردة لكنها ليست حتمية ويمكن التصدي لها”.
المصدر : العربي