بحثاً عن والدها المفقود منذ 13 يوماً، تتنقل الشابة الفلسطينية آية سمّور من مكان إلى آخر، وتقول إنه مُقعد، ويبلغ من العمر 67 عاماً، فُقدت آثاره في مدينة غزة، عقب اجتياح الجيش الإسرائيلي لمخيم الشاطئ قبل نحو أسبوعين.
وقبل 3 أيام، قال أشخاص لآية إنهم شاهدوا جثة والدها ملقاة قرب ممر النزوح الواصل بين جنوب قطاع غزة وشماله. وتزيد الروايات التي تسمعها من حالة عدم اليقين حول مصير والدها.
وتقول للجزيرة نت “قال لنا بعض الناس إنهم شاهدوه قبل 13 يوماً قرب مستشفى الشفاء (غرب غزة)، وأبلغنا آخرون أن جنود الاحتلال في دباباتهم أطلقوا النار على السيارة التي كان يركبها، لكن آخرين قالوا إنهم أطلقوا النار بالقرب منه وليس عليه”.
تقطن آية حاليا مع والدتها في منطقة وسط قطاع غزة، بعد أن نزحت مع عائلتها. وتضيف “لا نعرف أية معلومة عن والدي، هل هو حي أم ميت أم مصاب، لا نعرف أي شيء، اسمه غير موجود في قوائم الشهداء ولا الجرحى في المستشفيات”، وتشير إلى أن والدها مُقعد، ويعاني من أمراض القلب والسكر وضغط الدم.
وتتدخل والدتها سهام سمّور بالحديث قائلة إنها قدمت شكوى إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد 3 أيام من فقد زوجها، دون جدوى، وتضيف للجزيرة نت “منذ 13 يوماً لم أحصل على أي معلومة عن زوجي، قالوا لنا ربما احتمى بمستشفى الشفاء، لكن تم إخلاء جميع الأحياء والأموات من المستشفى”.
لا تقتصر معاناة الأهالي على مستوى فقدان الأشخاص، بل تمتد إلى فقدان عائلات كاملة، وفي هذا الصدد، يقول الشاب عبد النور الإفرنجي، الموجود حالياً في تركيا، إنه يجهل مصير عائلته في غزة، عدا والده الذي تأكد خبر استشهاده.
ويقول الإفرنجي للجزيرة نت “بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني، قطعت عائلتي شارع الشهداء، بجوار “ماركت مترو” الشهير، فأطلقت الدبابات عليهم النار، وهو ما أدى لاستشهاد والدي، الذي لا يزال جثمانه ملقى في الشارع حتى الآن وأصيبت أمي وشقيقتي”.
ومنذ ذلك الوقت، يجهل الإفرنجي مصير بقية أسرته وعددهم 11 شخصاً، من ضمنهم والدته و4 من أشقائه، ويضيف “أريد أن أعرف إن كان أهلي على قيد الحياة أم لا”.
أما نيفين دويمة، فقد فقدت الاتصال بزوجها وأهله منذ 23 يوماً، وتقول للجزيرة نت إنها لا تملك أية معلومات عن زوجها وأهله (عائلة أبو مازن عاشور)، الذين فُقدوا في حي الشيخ عجلين، جنوب غرب مدينة غزة.
وذكرت أن أشقاء زوجها من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويحتاجون إلى تناول أدوية يومياً، وتضيف “بعض الناس قالوا إن الدبابات الإسرائيلية كانت قريبة من المنطقة، وهناك شهداء في الشوارع القريبة”.
تعد الشهادات السابقة نماذج بسيطة من معاناة آلاف الأسر الفلسطينية بخصوص فقدان أبنائها، جراء الحرب المروعة التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على قطاع غزة.
ويقول المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إن عدد المفقودين جراء الحرب لا يقل عن 7 آلاف شخص، متوزعين بين أشخاص وعائلات ما زالوا تحت أنقاض المنازل التي هدمها جيش الاحتلال على رؤوس ساكنيها، وأفراد قُتلوا في الشوارع بدم بارد وما زالت جثامينهم ملقاة فيها، وآخرون اختطفهم الجيش في الممر الذي خصصه لنزوح السكان بين شمالي القطاع وجنوبه.
يقول الناطق الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بغزة هشام مهنا، إنهم يتلقون العديد من الاتصالات من الأهالي، يُبلغون فيها عن فقدان أو اعتقال أبنائهم.
وحول آلية عمل الصليب الأحمر بخصوص هذه الحالات، يقول مهنا للجزيرة نت “نشارك مع المتصلين آلية عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المتمثلة بمحاولة إرسال هذه المعلومات عن المفقودين للسلطات الإسرائيلية، ومحاولة الحصول على معلومات عن مصيرهم”. ويضيف “إذا تلقينا معلومات حول مصيرهم من الجانب الإسرائيلي، نشاركها مع الأهالي فقط، وليس بشكل معلن”.
ورداً على سؤال حول مدى تعاون الاحتلال الإسرائيلي معهم بخصوص هذا الموضوع، أجاب مهنا “لا يسعني الإفصاح عن أي معلومات حول هذا الملف، لكن ما يمكننا قوله إننا نعمل جاهدين للحصول على معلومات عن مصير من تم اعتقالهم، وأي معلومات تصلنا من الجيش الإسرائيلي نشاركها مع أهالي المعتقلين”.
وحول عدد الاستفسارات التي وصلت اللجنة الدولية حول المفقودين، قال مهنا “ليس لدينا إحصائيات يمكن أن نشاركها عبر الإعلام، هذا الملف حساس، ولأن آلية عمل الصليب الأحمر معروفة، وهي محاولة النقاش مع جهات الاحتجاز للحفاظ على مبدأ كسب الثقة، وهو ما يؤهلنا فعلياً من نقل المعلومات لأهالي المفقودين”.
تشير الأخصائية الاجتماعية والنفسية الدكتورة عروب الجملة، إلى أن معاناة أهالي المفقودين “قاسية للغاية”، وتقول للجزيرة نت “ليس سهلاً ولا هيناً أبداً على العائلة، المرور بحالة عدم اليقين بخصوص مصير ابنها، العقل قد لا يستطيع استيعاب الأمر، الآثار النفسية صعبة، وتشمل الشعور بالتوتر العالي، وبالقهر”.
وذكرت أن “المسلمين والمؤمنين بقضاء الله وقدره، لديهم قدرة أعلى من غيرهم على تحمّل هول هذه المأساة”، لكنها تضيف مستدركة “رغم اليقين والرضا بقضاء الله، فإن شدة التوتر قد تتسبب بحالة فقدان السيطرة على الأعصاب، وبكمّ هائل من الأفكار السلبية والشعور بحالة العجز”.
وحذرت من أن معاناة أهالي المفقودين قد تزداد بعد انتهاء الحرب، لدخولهم فيما يعرف بمتلازمة “كرب ما بعد الصدمة”، وهي حالة أصعب من كرب الصدمة ذاته.
ودعت المجتمع المحلي والعائلات المحيطة بأهالي المفقودين والمؤسسات المختصة إلى تقديم خدمة الدعم النفسي لهم. وأضافت “يجب متابعتهم اجتماعيا ونفسيا بشكل حثيث وعميق، وإيجاد برامج لحمايتهم من الآثار الصعبة التي ستواجههم لاحقا”.
المصدر : الجزيرة