في مواجهة أزمة الطاقة، تستعدّ الحكومة الفرنسية لشتاء صعب، وتهيّئ الأرضية الملائمة لتقبُّل إجراءات قاسية تجاه السكان.
وفي بداية الموسم وعودة مجلس الوزراء إلى الاجتماع، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون الحكومة إلى “الوحدة” في مواجهة “التحول الكبير”، الذي يميّز نهاية العطلة الصيفية.
من جهتها، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، إن “ارتفاع أسعار الوقود، أو الخطر الحقيقي لنقص الغاز، يُظهر لنا أن الدفاع عن قيمنا، من خلال دعم الشعب الأوكراني، له ثمن”.
وأضافت أن “هذه الملاحظة لا تعني أن نثير المخاوف، ولا التعامل مع حجج السلطة، بل أن نكون شفافين بشأن ما يجب أن نواجهه معاً. في هذا الشتاء، من المرجح أن تواجه فرنسا عدداً من المخاطر”.
من ناحية أخرى، فإن قطع الغاز الروسي، والصعوبات الفنية في محطات الطاقة النووية، واستمرار الحرب في أوكرانيا، قد تؤدي إلى تعقيد إمدادات الطاقة لفرنسا. وبالتالي، فإنّ نهاية “مهما كانت التكلفة” ودرع التعرفة، بالإضافة إلى تخفيض خصم الوقود، ثم إلغائه، من شأنها أن تثير غضباً اجتماعياً في سياق سياسة معقّدة لإيمانويل ماكرون، الذي لم يحصل إلّا على أغلبية نسبية في البرلمان، ويواجه معارضة متنامية، وتصعيداً من جانب مجموعات اليسار البرلمانية، ولاسيما أن الأخيرة تعدّ سلسلة إجراءات لمساءلة الحكومة بشأن سياساتها الاجتماعية والاقتصادية.
وقال وزير الاقتصاد، برونو لو مير، في مقابلة مع صحيفة Les Echos، إنه لا يتوقع “تراجع التضخم قبل عام 2023″، الأمر الذي يعني استمرار ارتفاع الأسعار عدةَ أشهر أخرى.
يضاف إلى هشاشة الأوضاع في فرنسا، أنها عانت جفافاً تدريجياً لتدفقات الغاز من روسيا، بحيث أوقفت شركة “غازبروم” الروسية العملاقة عمليات تسليمها إلى مجموعة “إنجي”، منذ يوم الخميس.
حالياً، قامت فرنسا بملء مخزونها من الغاز إلى 92%، وفقاً للمنصة الأوروبية لمخزون تخزين الغاز الكلي (AGSI)، مقارنة بمتوسط 80% في الاتحاد الأوروبي بأكمله. وأوضحت وزيرة الطاقة، أغنيس بانيير روناتشر، أن ملء مخزون الغاز يجب أن يصل إلى ما يقارب 100% في نحو أسبوعين. لكن المشكلة هي أن هذه المخزونات (حتى 100% ممتلئة) لا تمثل سوى 30% من الاستهلاك السنوي للغاز في فرنسا.
هذا هو السبب في وجود خطر حدوث نقص في موارد في حالة البرد لفترات طويلة. وتقدر نائبة المدير العام لشركة إنجي للغاز، كلير وايزاند، أنه “في الشتاء المقبل، لدينا كميات غاز كافية للمناخ المتوسط”. ولفتت إلى أنه “للتأكد من وجود الكهرباء والغاز في الشتاء، فمن مصلحتنا ألّا تكون الأيام شديدة البرودة، وإلّا فقد تكون هناك أيام تشهد توترات حقيقية”.
على صعيد الكهرباء، الدولة محرومة من عدد لا بأس به من المفاعلات النووية. فقط 24 من أصل 56 مفاعلاً في الأسطول النووي لشركة كهرباء فرنسا تعمل حالياً، بينما يتم إغلاق المفاعلات الأخرى بسبب عمليات الصيانة الـمُجَدْوَلة، أو بسبب مشاكل التَّأَكُّل التي لم تكن متوقَّعة. ولتمرير الشتاء بهدوء، يجب أن تكون شركة كهرباء فرنسا قادرة على إعادة تشغيل عدد كافٍ من المفاعلات خلال فترة البرد.
واجهت الحكومة ارتفاع الأسعار في قطاع الطاقة عبر تقديم حماية مالية للمستهلكين من خلال تجميد أسعار الغاز، وزيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 4% فقط في عام 2022. وإذا كان هذا الإجراء جعل من الممكن تجنب حدوث الانفجار في الأسعار التي تتحمَّلها الأُسَر، كما هي الحال في البلدان الأوروبية الأخرى، فإن له أيضاً تكلفة كبيرة جداً تتحمّلها الميزانية، قُدِّرت بنحو 21 مليار يورو عام 2022، وفقاً لإحصاء تم إجراؤه في نهاية تموز/يوليو، قبل ارتفاع جديد في الأسعار.