يُعاني المعتقلون والأسرى الفلسطينيون في سجن “مجيدو” التابع لمصلحة السجون الإسرائيلية، من معاملة غير إنسانية، فبخلاف التعذيب والإيذاء الجسدي للمعتقلين، يسود الإهمال الطبي وسوء التغذية، ما أدى للعديد من الأمراض المتفشية بينهم بلا علاج.
واستند تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية إلى شهادات للعديد من المعتقلين السابقين وذويهم وعدد من الأطباء لتناول الأوضاع شديدة السوء التي يُعانيها “مجيدو”، حتى بمعايير دولة تسعى للقضاء على الفلسطينيين خلال حربها على قطاع غزة.
وتنقل الصحيفة عن معتقل سابق في سجن “مجيدو ” يبلغ من العمر 16 عامًا، وصفته أمه عندما أُفرج عنه بأنه “بدا كالمومياء، وكأنه لم يكن هو حقًا”، وأنها لم تتعرف عليه في البداية وقد أصابته عدة أمراض بينها الجرب، وقد عانى التعذيب وأعراضًا حادة لمرضٍ معوي، بما في ذلك نوبات إغماء”.
وحصلت الصحيفة على إفادات من أربعة سجناء آخرين في “مجيدو” أبلغوا عن مشكلات صحية مماثلة خلال الأشهر القليلة الماضية، كما تعاملت منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” مع خمس حالات أخرى. وتتعلق إفادات أخرى بكميات الطعام الضئيلة المقدمة للسجناء وانتشار الجرب “وهو مرض جلدي يصعب تجنبه لأي شخص يقضي عقوبة بالسجن في مجيدو”.
وهناك أيضًا قصة لمعتقل انهار في ساحة السجن وتوفي. وأفاد طبيب حضر تشريح جثته نيابةً عن عائلته أن جسده “كان شبه خالٍ من الأنسجة الدهنية، وأنه كان يعاني التهاب القولون، ومصابًا بالجرب”.
تعذيب وتجويع
ليس سجن “مجيدو”، الواقع على الطريق رقم 65 بين “أم الفحم” و”العفولة”، حالةً استثنائية. هناك بعض المشكلات الموجودة فيه تُصيب سجونًا أخرى يُحتجز فيها معتقلون فلسطينيون. ووفقًا لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، انتشر الجرب في سجون “كتسيعوت” و”جانوت” و”أيالون” منذ الشهر الماضي.
إضافةً إلى ذلك، تتضمن عريضةٌ رُفعت ضد تقليص حصص الطعام للسجناء الأمنيين -وهو المصطلح الإسرائيلي لمعظم السجناء الفلسطينيين- إفاداتٍ من سجناء يُشهدون بفقدان حاد للوزن في سجون متعددة. إلا أن المحامين يقولون إن سجن “مجيدو” هو “الأسوأ على الإطلاق” في جميع الفئات تقريبًا.
فيما يتعلق بالوفيات خلف القضبان، يأتي سجن مجيدو في المرتبة الثانية بعد سجن “كتسيعوت”. توفي خمسة أشخاص في “مجيدو” مقارنة بسبعة في “كتسيعوت”. ووفقًا لنادي الأسير الفلسطيني، توفي خلال العشرين شهرًا الماضية 73 سجينًا ومعتقلًا معروفًا في السجون العسكرية وسجون مصلحة السجون.
وفي “مجيدو”، كشف تشريح جثمانين لفلسطينيين عن علامات عنف محتملة. أحدهما ظهرت على جثته آثار إصابات، منها كسور في الأضلاع وكسر في عظمة القص. وأبلغ سجين كان معه آنذاك أنه تعرّض لضرب مبرح على رأسه قبل وفاته. والثاني ظهرت على جثمانه كدمات في الصدر والبطن، بالإضافة إلى كسور في الضلوع، وتلف في الطحال، والتهاب حاد في رئتيه.
ولا يشكل عنف حراس السجن مفاجأة للمعتقلين، بل إنه “أمر روتيني داخل أسوار السجن”، حسب الصحيفة. ينقل التقرير عن أحد المعتقلين: “كانوا يُجبروننا على الركوع في آخر الغرفة، ويأمروننا بوضع أيدينا على رؤوسنا، ثم يدخلون، ويرشون الغاز على وجوهنا ويضربوننا بالهراوات على جميع أنحاء أجسادنا”.
يضيف: “في إحدى المرات، دخلوا وضربوني على رأسي وفمي بمسدس، ما أدى إلى خلع فكي”. وفي إحدى الحوادث، تعرض لضرب مبرح بهراوة حتى انكسرت على جسده.
وفي مرة أخرى، داخل إحدى وحدات مصلحة السجون ضربوا السجناء، ورشوهم بالغاز، ثم جروّهم إلى ساحة السجن، حيث استلقوا لمدة ساعة تقريبًا تحت المطر.. “كبّلونا بالأصفاد، وسارت كلابهم أمامنا وهي تنبح وهم يركلوننا”.
أوامر بن جفير
بينما لفت المعتقل، الذي تحدثت إليه “هآرتس”، إلى عملية التجويع التي مارسها زبانية سجن “مجيدو”، أشارت الصحيفة إلى أن ما يحدث متوقع نتيجةً لسياسة وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، التي أدخلت بعد 7 أكتوبر تغييرات جذرية على ظروف معيشة المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل.
من بين إجراءات أخرى، مُنع المعتقلين من الوصول إلى مقاصف السجون، وأُزيلت الأطباق وأدوات الطبخ من زنازينهم، وصدر توجيهٌ بتقليص حصص الطعام إلى الحد الأدنى القانوني.
يضيف التقرير: “هناك مشكلة إضافية.. حتى اندلاع الحرب، كان في كل جناح شبابي في السجون الأمنية سجين بالغ مسؤول عن توزيع الطعام. إلا أن تغييرًا آخر في سياسة بن جفير ألغى هذا الترتيب، ناقلًا مسؤولية توزيع الطعام إلى القاصرين. كان هؤلاء ينتزعون بعض الطعام لأنفسهم، ما قلل من الكمية القليلة المتبقية للآخرين”.
أيضًا، في معظم الأوقات كان هناك عشرة سجناء في الزنزانة، لكن هناك ثمانية أسرّة فقط “لذا كان على اثنين منهم في أي لحظة أن يناموا على مرتبة على الأرض. أما من تمكن من الحصول على سرير، فلم يحصل في الغالب على ملاءة -لم يكونوا يغسلون الملاءة أبدًا- واضطر للنوم على المرتبة العارية”.