بينما يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لاجتياح مدينة غزة، يواجه القادة العسكريون صعوبة في العثور على عدد كافٍ من جنود الاحتياط الراغبين في العودة للحرب على القطاع، وفق ما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
وذكرت الصحيفة، في تقرير لها، أن القوات الإسرائيلية منهكة بعد قرابة عامين من القتال على جبهات متعددة، في حين يتساءل المزيد عن هدف الحرب.
وبينما يستدعي الجيش الآن نحو 60 ألف جندي احتياط من وظائفهم ودراساتهم وعائلاتهم لدعم المهمة الجديدة، يقول كثيرون إنهم على حافة الانهيار، وفقًا لأكثر من 30 ضابطًا وجنديًا أجرت “وول ستريت جورنال” مقابلات معهم.
وقالت الصحيفة إن بعض القادة لجأوا إلى أساليب غير عادية للعثور على عدد كافٍ من الجنود المقاتلين، وفق رسالة حديثة لقائد في مجموعة “واتساب” لطلاب الجامعات الإسرائيلية، جاء فيها: “أبحث عن جنود مقاتلين، معظمهم مسعفون وقناصة، لعملية مدتها 70 يومًا تبدأ في 11 سبتمبر، إذا كان هناك جنود احتياط مهتمون، يرجى مراسلتي على انفراد”.
ولفتت الصحيفة إلى أن النقص في جنود الاحتياط الراغبين في الخدمة العسكرية يتفاقم منذ أشهر، ويواكب تنامي الاستياء الإسرائيلي من الحرب.
ويشير العديد من استطلاعات الرأي إلى أن ما يصل إلى 80% من الإسرائيليين يرغب في أن يتوصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اتفاق ينهي الحرب ويعيد المحتجزين إلى ديارهم، كما وقع آلاف المحاربين القدامى وجنود الاحتياط الإسرائيليين عرائض لوقف القتال وإعادة المحتجزين.
وترى الصحيفة أن هذا يمثل تحولًا جذريًا عن شعور معظم جنود الاحتياط بعد الهجوم الذي نفذته الفصائل على المستوطنات بغلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، واندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تطوع العديد من جنود الاحتياط للقتال، معتقدين أن المعركة لإنقاذ وطنهم، لكن هذا الاعتقاد انهار تدريجيًا مع استمرار الحرب، حيث يجد جنود الاحتياط أنفسهم يتم استدعاؤهم مرارًا وتكرارًا.
قال رقيب أول في فرقة الكوماندوز 98، والذي قاتل لمدة 400 يوم منذ بدء الحرب، بما في ذلك فترات طويلة في غزة ولبنان، إنه بات يعتقد أن الناس يموتون “هباءً منثورًا”، وإن نتنياهو يطيل أمد الحرب من أجل بقائه السياسي، وهي وجهة نظر شائعة في قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي.
وتلقى الرقيب أول اتصالًا من الجيش مؤخرًا للاستفسار عن استعداده للعودة للخدمة في عملية مدينة غزة.
وبعد أن أمضى أشهرا في القتال في خان يونس في بداية الحرب، يقول إنه لا يمكن القضاء على حماس تمامًا بسبب أسلوبها في حرب العصابات.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم اليهود الإسرائيليين يتم تجنيدهم للخدمة العسكرية الإلزامية في إسرائيل عند بلوغهم سن الثامنة عشرة.
وتحتفظ إسرائيل بجيش نظامي صغير نسبيًا، تكمله بجنود الاحتياط، خاصة في أوقات الحرب، ويخدم معظمهم بضعة أسابيع سنويًا حتى سن الأربعين أو الخامسة والأربعين، حسب مناصبهم، ولكن غالبًا ما يمكن الحصول على إعفاءات من خدمة الاحتياط، رغم أنها إلزامية.
ويشعر العديد من جنود الاحتياط بالإحباط أيضًا؛ بسبب سعي حكومة نتنياهو إلى إعفاء الأقلية المتشددة في إسرائيل “الحريديم” من الخدمة العسكرية.
وتشير “وول ستريت جورنال” إلى أن حرب غزة هي الآن الأطول في إسرائيل، وترهق العائلات، إذ يضطر الرجال إلى ترك زوجاتهم وأطفالهم وأعمالهم لفترات طويلة، كما تلقي بظلالها النفسية على كثير من الرجال.
ونقلت الصحيفة عن داليت كيسليف سبيكتور، أن زوجها، وهو قائد في قوات الاحتياط، كان منهكًا بسبب خدمته المتراكمة التي بلغت 580 يومًا، وتذكرت كيف عاد إلى المنزل الشهر الماضي في حالة صدمة بعد أن تعرف على جثة زميل له في قوات الاحتياط انتحر.
قالت سبيكتور إن العديد من الرجال في وحدة زوجها اللوجستية، المؤلفة من 150 فردًا، فقدوا وظائفهم، أو انفصلوا عن زوجاتهم، أو واجهوا ضائقة مالية بسبب خدمتهم الطويلة، ويتزايد تساؤلهم الآن عن هدف القتال في غزة.
وتخشى سبيكتور التي تقود مجموعة تدعو إلى إدارة مسؤولة للحرب، من استدعاء زوجها مجددًا، وقالت: “قلت له، أي زوجها: الحرب سياسية، لأن لا أحد منّا يؤمن بقيادتنا. لو كان الأمر بيدي، لطلبت منك عدم الذهاب”.
وصرح العديد من جنود الاحتياط، وخاصة آباء الأطفال الصغار، لـ”وول ستريت جورنال” بأنهم توقفوا عن المشاركة لأن زوجاتهم لم يعدن يتحملن الأمر.
ويسعى القادة لإيجاد حلول، إذ قال قائد سرية، منشغل باستدعاء الجنود لجولة قادمة في سبتمبر، إنه بدأ بإرسال نموذج مسبقًا يمكن جنود الاحتياط من تحديد التواريخ التي لا يكونون متاحين فيها.
النموذج الإلكتروني، الذي اطلعت عليه الصحيفة، يسمح لأفراد الاحتياط بتصنيف مدى أهمية طلبهم للإجازة من 1 إلى 5، ولتخفيف العبء، ستنتقل القوات أيضًا إلى نموذج أكثر مرونة حيث يخدمون لمدة أسبوع واحد يليه أسبوع راحة طوال مدة الجولة التي تبلغ 90 يومًا، والتي تم تمديدها مؤخرًا.
وأعرب جنود الاحتياط الذين تم تمديد خدمتهم الحالية بسبب العملية عن شعورهم بالإحباط، وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه يعتزم تمديد خدمة 20 ألف جندي احتياطي في الخدمة الفعلية، بالإضافة إلى 60 ألف جندي يستدعيهم الجيش حاليًا.
ستتألف القوات المشاركة في اجتياح مدينة غزة بشكل رئيسي من جنود الخدمة الإلزامية، أي أولئك الذين استدعوا لإكمال سنواتهم الثلاث في القوات المسلحة، وفقًا لمسؤول عسكري. هذه المرة، سيحل جنود الاحتياط في الغالب محل الجنود في سوريا ولبنان والضفة الغربية، مع أن بعضهم سيظل يخدم في غزة.
قال شخص مطلع على الأمر إن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، عارض احتلال غزة بالكامل في اجتماع لمجلس الأمن الشهر الماضي؛ بسبب مشاكل تتعلق بالقوى العاملة.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مهندس قتالي يبلغ من العمر 31 عامًا، تخدم وحدته حاليًا في جنوب غزة، أن خدمته تم تمديدها مؤخرًا حتى نهاية نوفمبر؛ مما أثر على دوافعه، ودوافع الجنود الآخرين الذين يخدم معهم.
قال المهندس، إنه طلب نقله إلى دور غير قتالي خارج غزة؛ لأن قادة وحدته كانوا يعرضون الجنود للخطر، بما في ذلك حادثة نيران صديقة وقعت مؤخرًا، وأضاف أن قائده لم يُستبدل بسبب نقص القوى العاملة.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مجموعة من جنود الاحتياط، إنهم توقفوا عن العودة للخدمة لأسباب وصفوها بأنها أيديولوجية، بما في ذلك السلوك غير الأخلاقي الذي شهدوه ضد المدنيين الفلسطينيين، وقال أحد جنود الاحتياط إنه توقف عن الحضور بعد أن كان حاضرًا عندما أبلغه قائد بأن قواته أطلقت النار على 3 نساء من غزة.