موقع المغرب العربي الإخباري :
لم تتخل جنوب افريقيا عن مبادئها في مقاومة العنصرية والاحتلال بعد تحررها من نظام الفصل العنصري عام 1994 ولاتزال ترى أن نظام الفصل العنصري في إسرائيل أكثر فظاعة مما عانته بشهادة القس الراحل ديزموند توتو القائل بعد مشاهداته الحية لقسوة حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الصهيوني قبل عشرين عاما تقريبا أن نظام الابارتهايد في جنوب أفريقيا كان أقل سوأ.كانت مقاومة الشعبين الفلسطيني والجنوب افريقي ذات طبيعة نضالية واحدة وضد نظامين عنصريين جمعتهما بنية فكرية وثقافة استعلائية عنصرية تنكران الحق في المساواة وتنتهكان الكرامة الإنسانية وتزعمان التفرد بالتمتع بحقوق عنصرية كانت سائدة فقط في الحقبة الاستعمارية الغربية وقد ولى زمنها مع غروب حقبة الاستعمار الأبيض. تحررت جنوب افريقيا نتيجة مقاومة سلمية ومسلحة قادها المؤتمر الوطني الافريقي كانت تسميها قيادات الدول البيضاء إرهابا وكان لاينظر إلى قائدها نيلسون مانديلا إلا كإرهابي وعميل شيوعي. المخابرات الامريكية هي التي وشت به لدى نظام بريتوريا العنصري وبعد ذلك قبع في السجن لثمانية وعشرين عاما. إن انتهاء نظام الفصل العنصري لم ينس جنوب افريقيا واجبها نحو قضية فلسطين ولم يكن ذلك سهلا فمانديلا شخصيا كثيرا ماواجه أسئلة في الإعلام الغربي تستهجن دعمه ل” الإرهاب الفلسطيني”!
ولكن ردوده البسيطة كانت تلجم السائل ومنها “لقد اتهمنا من قِبَلكم بالإرهاب”.
إن عدالة قضية شعب فلسطين للتخلص من الاحتلال العنصري لاتزال في صدارة سياسات جنوب افريقيا التي ستقدم في 11 يناير الجاري في محكمة العدل الدولية بلاهاي شكوى موثقة ضد إسرائيل لممارستها كل جرائم الحرب في قطاع غزة كالإبادة الجماعية والتهجير القسري والحصار الاقتصادي الخانق واستهداف المدنيين والتدمير المتعمد للبنية التحتية ولمعظم مساكن غزة ومستشفياتها ومدارسها وحتى أماكن لجوء الفارين من قصفها الذي لاعلاقة له بماتدعيه “حقها في الدفاع عن النفس” الذي لم تتمتع به تاريخيا وأخلاقيا أي دولة محتلةولايقره القانون الدولي . إن أنظمة الاستعلاء الأبيض تستميت لتجريد الشعوب الملونة من حق مارسته هي في مقاومتها للنازية في الحرب العالمية الثانية وترى أن مقاومتها للنازية آخر مقاومة مشروعة وأن مابعدها وماعداها إرهابا. وعندما يتصل الأمر بمستعمرتها إسرائيل فإنها لاتحصر دعمها لها على حلو الكلام كما هو حال العرب بل تمدها بالسلاح وبالخبراء وبالمال ومن امريكا تم جمع تبرعات تزيد عن مليار دولار وليس بخاف أن مواطنين غربيين واوكرانيين يحاربون كمرتزقة في صفوف جيش الاحتلال.
لقد تحلت جنوب افريقيا بالشجاعة في تصديها لقضية حساسة جدا لاتعني إسرائيل وحدها بل تمس مصالح حلفائها الذين سيحشدون كل إمكانياتهم لهزيمتها في محكمة العدل الدولية لخوفهم من أن فوزها لن يكون هزيمة لإسرائيل وحدها، قيما ونظاما وسياسات، بل هزيمة تطالهم جميعا لأنهم وحدهم من يدعمون احتلالها ويرفضون وقف النار في غزة ولم يصدر منهم حتى اليوم أي استنكار أو إدانة ليس لبربرية العسكرية الإسرائيلية بل حتى مواساة للصحفي وائل الدحدوح الذي قتلت إسرائيل عمدا زوجته وإبنته وإبنه وحفيدته وبالأمس 7 يناير قتلت إبنه الصحفي حمزة.
إن الحكم لصالح قضية فلسطين قد يخفف من انحياز الغرب المطلق لإسرائيل وقد يحدث تراجعا في الزعم الباطل بأن إسرائيل دولة ديمقراطية ويلطف من استمرار معاداته لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
إن جنوب افريقيا لم تقدم على مقاضاة إسرائيل إلا وهي تملك وثائق وخبرات قانونية رفيعة تمكنها من تحقيق هدفها. وفي هذا الصدد هي لا تنسى أمران أولاهما دعم الدول العربية لمقاومتها ومقاطعتها الاقتصادية لنظام الابارتهايد والختم على كل جواز عربي بحظر السفر إلى جنوب افريقيا. وثانيهما دعم إسرائيل المفتوح لنظام الابارتهايد بالخبرات القمعية والتجسسية ضد المؤتنر الوطني الافريقي وإجرائها أول تجربة نووية في صحراء كالاهاري إبان نظام الفصل العنصري. إن انتصار جنوب افريقيا انتصار للعدالة وللقانون الدولي الذي اهانته إسرائيل طوال احتلالها واعتبرت نفسها فوقه وغير معنية به .وهنا أناشد القانونيين الدوليين العرب وغير العرب ومنهم تسعين خبيرا قانونيا فرنسيا ، أن يقدموا خبراتهم لفريق جنوب افريقيا في المحكمة لإنجاح مسعاه في إدانة العدوان المرتبط بالاحتلال. ومما يستحق التقدير سحب جنوب افريقيا لسفيرها ولكل أعضاء السفارة من تل ابيب بعد عدوان إسرائيل الوحشي على غزة في اكتوبر الماضي.
العواقب:
لإن لكل سياسة مكاسبها ومخاطرها فإن جنوب افريقيا لن تكون استثناء في إعفائها من العقوبات الامريكية المسيسة وغير القانونية التي لم تعلن بعد لكي لاتتضاعف فضائح الإدارة في دعم جرائم الاحتلال ولكنها آتية لامحالة.
قيمة خطوة جنوب افريقيا:
إن لتبني جنوب افريقيا قضية فلسطين في محكمة العدل الدولية وزنا نوعيا وصدى إيجابيا كبيرا لأنها تصدر من وطن نيلسون مانديلا وهي إضافة سياسية مهمة لعدالة قضية فلسطين وذخيرة لمناصري القضية على المستوى الدولي. وبهذه الخطوة الجريئة فهي تؤكد أنها دولة مستقلة فعلا وليست مزرعة موز امريكية .
الأمم المتحدة مع مشروعية المقاومة:
أخيرا ألفت النظر وخاصة نظر الفريق القانوني الجنوب افريقي إلى أن ماقامت به المقاومة الفلسطينية في 7 اكتوبر كان مشروعا وتنفيذا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2649 الصادر في 30 نوفمبر 1970 في دورتها الخامسة والعشرين
الذي أدان فيه الحكومات التي تنكر حق تقرير المصير وخصوصا لشعبي جنوب افريقيا وفلسطين وفي فقرته الخامسة أكد على شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية بأي وسيلة في متناولها.
*كاتب يمني
انسخ الرابط :
Copied