في تطور لافت يكشف عن رؤية مقلقة لمستقبل قطاع غزة، أعلنت إسرائيل خطة مقترحة من صندوق “إغاثة إنسانية” المشبوه والمثير للجدل، تُعرض حاليًا على الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض، وتتمحور حول تهجير سكان غزة إلى “مناطق عبور إنسانية” مؤقتة داخل القطاع وخارجه.
وحسب وكالة “رويترز”، فإن الخطة التي تحمل طابعًا إنسانيًا من حيث الشكل، تُخفي في تفاصيلها تصورًا جذريًا يعيد رسم مصير أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر، وتعيد إلى الواجهة الحديث عن “هجرة جماعية طوعية” مدعومة من قوى إقليمية ودولية.
خطة تهجير جديدة
بحسب ما أوردته “رويترز”، فإن صندوق “الإغاثة الإنسانية” (GHF) الإسرائيلي المثير للجدل، المسؤول عن توزيع الغذاء في قطاع غزة، طرح خطة تقضي بإنشاء مجمعات سكنية مؤقتة تحت اسم “مناطق عبور إنسانية”، تكون ملاذًا مؤقتًا للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة، وتُستخدم كخطوة أولى في “برامج تأهيلية” تمهّد لاحقًا لانتقالهم إلى وجهات خارج القطاع.
الخطة، التي لم تُدرج ضمن أي من بنود صفقة تبادل المحتجزين ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، قُدّرت تكلفتها بملياري دولار، وتمت مناقشتها مؤخرًا في أروقة البيت الأبيض، بحسب مصادر مطّلعة تحدثت لـرويترز.
وجهات غامضة
لم تُحدَّد الخطة بشكل واضح أين ستُقام هذه المجمعات خارج قطاع غزة، ولا الآليات التي ستُنقل بها العائلات الفلسطينية إليها، لكن خريطة مرفقة بالوثيقة، حصلت عليها “رويترز”، تُظهر نقاطا غامضة وُصفت بأنها “وجهات إضافية”.
ووفقًا للتقرير، تهدف هذه “المخيمات المؤقتة” إلى بناء “الثقة” بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، وتهيئة السكان “للتحرر من سيطرة حماس”، ودعم “رؤية ترامب لغزة”، في إطار خطة شاملة يتم العمل عليها بصمت منذ شهور.
وتكشف الوثائق عن وجود خطة لبناء ثمانية مجمعات سكنية على الأقل، يتسع كل منها لمئات الآلاف من سكان غزة، ويُفترض أن تضم برامج تدريبية وتأهيلية، مع وعد بـ”حياة أكثر أمنًا وكرامة”، بحسب ما نقله أحد المصادر التي شاركت في إعداد المخطط لـ”رويترز”.
وقال مصدر شارك في التصميم: “هدفنا هو إزالة عامل الخوف، وتوفير بيئة محمية تُمكّن الفلسطينيين من العيش بكرامة، بعيدًا عن سطوة حماس”، لكن مصادر أخرى ذكرت أن المشروع تعثر في مرحلته الأولى بسبب “نقص التمويل”، رغم تقديمه رسميًا إلى السفارة الأمريكية في إسرائيل العام الماضي.
إنكار رسمي
رغم ما كشفت عنه “رويترز”، نفت إدارة الصندوق المشبوه المسؤول عن تنفيذ الخطة، وجود مشروع من هذا النوع، مؤكدة أن دورها يقتصر على “توزيع الغذاء داخل القطاع”، كما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق، فيما قال مسؤول كبير في الإدارة: “لا ندرس أي شيء من هذا القبيل، ولا يتم تخصيص أي موارد له بأي شكل”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
هذه التصريحات تتناقض مع توثيق رويترز لمداولات جرت داخل البيت الأبيض حول المشروع، وتثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطة تُدار بعيدًا عن القنوات الرسمية.
ترامب: ليرحلوا جميعًا
في سياق متصل، أعادت “يديعوت أحرونوت” التذكير بتصريحات سابقة أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فبراير الماضي خلال لقائه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث قال صراحة: “سنسيطر على غزة وسندمرها، سنزيل القنابل والمنازل المدمرة… إنها فكرة رائعة”.
وتابع ترامب: “غزة مصدر دمار، وسكانها يعيشون في بؤس، يجب أن يغادروا، هناك مليون وثمانمائة ألف شخص بحاجة إلى الرحيل، وعلى الدول الغنية في المنطقة تمويل ذلك، يمكنهم الذهاب إلى منطقة واحدة، أو إلى سبع، أو إلى اثنتي عشرة، سنُنجز أمرًا مذهلًا، سنُحقق السلام، وسيتوقف القتل والتدمير”.
تصريحات ترامب أثارت حينها عاصفة من الانتقادات في الأوساط الحقوقية والسياسية، واعتُبرت أول إعلان صريح عن خطة لـ”تفريغ غزة”، وهو ما تعزز لاحقًا بتقارير عن مشاورات متواصلة حول الموضوع في الدوائر الضيقة للإدارة الأمريكية.
جدل سياسي متصاعد
أثارت الخطة تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مفهوم “الهجرة الطوعية”، خصوصًا إذا ما تمت في ظل حصار، وانعدام الخدمات، وتحت التهديد المباشر بالقصف.
وبحسب القانون الدولي، فإن “النقل القسري” للسكان تحت الاحتلال يُعد جريمة حرب، وقد يُدخل الخطة في إطار المساءلة القانونية، إذا ما ثبت تورّط أطراف دولية في تنفيذها قسرًا أو بدافع سياسي.
كما حذرت منظمات حقوقية من أن مثل هذه الخطط تفتح الباب أمام تهجير جماعي مقنّع، تحت شعار “المساعدة الإنسانية”، وهو ما يضعف فرص الحلول السياسية العادلة للقضية الفلسطينية، ويخلق واقعًا ديمغرافيًا جديدًا يُخدم أهدافًا توسعية إسرائيلية.
إعادة إنتاج للنكبة
في ضوء هذه التطورات، تُعيد خطة “مناطق العبور الإنسانية” إلى الأذهان محطات تاريخية مأساوية في القضية الفلسطينية، أبرزها نكبة عام 1948، حين تحوّل الفلسطينيون إلى لاجئين في دول الجوار بعد تهجيرهم من قراهم ومدنهم.
ورغم محاولة صُناع الخطة تقديمها كحل إنساني لـ”أزمة غزة”، فإن تفاصيلها والجهات الضالعة في صياغتها تُوحي بنوايا سياسية واضحة لإعادة تشكيل الخريطة السكانية للقطاع.