نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالاً بعنوان “بعد 20 عاماً، ربما تلاشت ذكريات حرب العراق، لكنّها شكّلت المملكة المتحدة المتضائلة التي نعرفها اليوم”، للكاتب جون هاريس، على ضوء الذكرى الـ20 للغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وبدأ هاريس حديثه قائلاً: “إنّ السياسة هي فن مظلم ومبتذل، لكنّ الواضح أنّ أحداث عام 2003 ساعدت في تدمير ثقة الجمهور في الحكومة البريطانية”.
أزمة ثقة بدأت.. وتتفاقم
ويصادف يوم الإثنين المقبل مرور 20 عاماً على غزو العراق، حيث أشار الكاتب إلى أنّ هذه “الذكرى المضطربة”، ليست فقط تذكيراً بمسؤولية توني بلير ومسؤولين آخرين، عن أكبر كارثة سياسية وإنسانية تورطت فيها المملكة المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ولكنّها لحظةٌ اهتزّ فيها ثبات المركز السياسي البريطاني، ففجأةً أصبح في مكان “متهور وكارثي”.
وذكّر هاريس بأنّ دعم الغزو قد غطى حزب المحافظين البريطاني من الصحافة البريطانية، مشيراً إلى أنّ الذكرى السنوية هي تذكير لا زال حياً بمخاطر التفكير الجماعي، وبالنتائج القاتمة لحصر الحقائق المعقّدة في روايات بسيطة.
وأشار المقال إلى أنّ الناس في العراق لا زالوا يعيشون مع عواقب هذه الحرب كمسألة تجربة يومية، وأنّ العراق يُعاني من ندوبٍ عميقة، وهو والمنطقة من حوله عرضة للأزمات نتيجةً لمفاعيل الغزو، لكنّه على النقيض من ذلك تماماً، يتمتع معظم البريطانيين بالرفاهية المروعة في التفكير في الحرب على أنّها مجموعة بعيدة ومتلاشية من الأحداث.
ولفت الكاتب إلى أنّه في الأسبوع الماضي فقط، فكّر كاتب عمود في صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، في أنّه “داخل العالم الغربي، لم تترك حرب العراق سوى القليل من الأثر”، وأنّ الغزو “لم يهز السياسة”، لكنّ تأثيرات عميقة كانت على المملكة المتحدة، وذلك بفضل “كارثة الحرب المطلقة”.
وأكّد المقال على حقيقة أنّ قضية مشاركة بريطانيا في الحرب سرعان ما تبين أنّها لم تكن على أي أساس من الواقع، وأنّ النتيجة كانت أزمة ثقةٍ عامة، لا زالت تتفاقم، أزمة فقدان ثقة بين الجمهور والسلطة الحاكمة.
ذهاب بريطانيا إلى الحرب.. قرار بمفاعيل كارثيّة
أوضح المقال أنّه كان هناك شعور مبكر بفجوة بين الجمهور والحكومة، في شباط/فبراير 2003، عندما وصل أكثر من مليون شخص إلى لندن للتعبير عن معارضتهم للحرب، والتي أصبحت أكثر احتمالاً كل ساعة، واختار الكاتب ذلك اليوم، مؤكداً على أنّ شيئاً واحداً على وجه الخصوص يحترق، هو “الشعور بأن السياسة والسلطة قد ابتعدتا عن الجمهور، وتركت فجوة ضخمة وغير مريحة للغاية”.
ونبّه إلى الهزيمة التي ألحقها “الحزب الوطني الأسكتلندي” بحزب العمال، في الانتخابات الاسكتلندية لعام 2007، وإلى خضوع سياسات ذلك البلد لتغيير فاصل، تماماً كما تنحى بلير، وأنّ ذلك حدث جزئياً لأنّ زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي آنذاك ، أليكس سالموند، نجح في استغلال غضب شعبي هائل بشأن الحرب.
وأضاء المقال على تأكيد “تقرير تشيلكوت”، لعام 2016، بأنّ توني بلير ومساعدوه قدموا معلومات استخباراتية “ضعيفة وغير مكتملة”، كدليل موثوق على أسلحة الدمار الشامل العراقية، وأنّ بلير أكد للبلاد مراراً وتكراراً أنّه لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن خوض الحرب من عدمه، ولكنّ تأكيده للرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش الإبن، في تمّوز/يوليو 2002، بأن “سأكون معك، أياً كان”، يوحي بأن عقله قد تم حسمه منذ فترة طويلة.
يُذكَر أنّ “تقرير تشيلكوت” أو استقصاء العراق، الذي يُشار إليه باسم رئيس لجنته، السير جون تشيلكوت، كان تحقيقاً عاماً بريطانياً في دور المملكة المتحدة في حرب العراق، وكان أعلن رئيس الوزراء الأسبق، غوردون براون، عن التحقيق في عام 2009، ونُشر في عام 2016، ببيان عام من تشيلكوت.
ربما تكون ذاكرتنا عن هذه الخدع قد تلاشت، لكن آثارها تستمر، هكذا أكّد كاتب المقال، كما قال: ” لقد لطّخ العراق بشكل بشع السجل المحلي لبلير وبراون، ووضع علامة على نهاية رؤية حزب العمال الجديد لبريطانيا كدولة شابة واثقة من نفسها”.